منذ التقينا
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
منذ التقينا،
عرفتُ معنى أن تكوني لي،
لكنني لم أعد أعرف من أكون أنا.
عرفتُ من هو "أنتِ"،
ولم أعرف من هو "أنا".
عرفتُ كيف تكونين لي حلمًا،
ولم أدرك ما هي الأحلام.
لم أعرف نفسي،
ولا كيف توارى الحلم بين ليلة وضحاها.
عرفتُك في حلم،
ولقيتُك في حلمٍ سلب مني واقعي.
لم أعد أدري،
أأعيش حلمًا في واقع،
أم واقعًا في حلم؟
أحيانًا ألمسك، فأوقن أنكِ واقعٌ غيّر معالمي،
وأحيانًا تتلاشين،
فأدرك أنني غارقٌ في وهمٍ لا أساس له.
حبيبي،
منذ التقينا وأنا أبحث عن اسمي
بين حروفك،
في قواميس أبجدياتك.
أتلمّس وجهي في مرآتك،
وأعيد رسم كياني على ضوء عشقك.
قبلك، لم أكن سوى ظلٍ باهت،
وأنت النور الذي ألبسني ملامحي.
حبيبي، يا أنت،
إن كان حبك يحمل كل هذا الوجد،
فأي بديل في هذا الكون قد يضاهي
مجرد ظلك؟
هل أستبدل الشغف الذي أبصرت به الحياة؟
هل أترك الوحدة التي صارت تؤنسني بوجودك؟
وهل أهرب من الإيثار الذي علّمني
كيف يكون العطاء بلا حساب؟
هل أهرب من عشقٍ أنت به الوطن، والملجأ، والمعنى؟
حبيبتي،
لا أدري ما الذي جرى لي.
أنظر حولي،
فأجد كل شيء كما هو، لم يتغيّر،
لكنني تغيّرت.
أتدري؟
حين تغيب، يختل عالمي،
تتوقف الساعات،
يسرق الزمن من عمري مئة عام،
وتتلعثم القصائد في صدري،
كأنك الأبجدية الوحيدة التي عرفتها.
حبيبي،
حتى في أكثر لحظاتي وحدةً وبعدًا عنك،
أعرف بيني وبين نفسي أنني أحببتك وعشقتك،
وعندما أحتضن مخدتي أدرك أن روحي قبل قلبي متعلقة بك،
وأن حبك تجاوز كل حدود المنطق والمعقول.
منذ التقينا،
كسرنا كل حواجز الجمود واللامعقول،
وأنت أصبحت جزءًا لا يتجزأ من روحي.
حبيبتي
منذ التقينا،
أصبح الكون فارغًا، ونحن ملأناه بوجودنا، وحبنا، وأشواقنا.
لم يعد في الدنيا ما يغوينا،
ولا ما يشغلنا عنها،
لكننا لم نفقد شيئًا، لأن ما خُلق لنا باقٍ لنا،
ولأن الأقدار اختارت لنا طريقًا آخر.
ارتبطنا روحيًا، وكنا في لحظة صمتٍ خاطفة
كان يجب أن تطول،
حتى نشبع شغف العيون التي تلاقت.
حبيبي،
يا أنت،
إن كان حبك يحمل كل هذا الوجد،
فأي بديل بهذا الكون قد يضاهي مجرد ظلك؟
هل أستبدل الشغف الذي أبصرت به الحياة؟
هل أترك الوحدة التي تؤنسني بوجودك؟
وهل أهرب من الإيثار الذي علّمني
كيف يكون العطاء بلا حساب؟
هل أهرب من عشقٍ أنت به الوطن والملجأ والمعنى؟
حبيبتي،
زجاجات عطرك ما زالت مكانها،
لكنها امتلأت بالحزن،
تفتقدك كما أفتقدك أنا،
تشتاق لملمس يديك،
ولأن تداعب مساماتك.
ومكحلتك،
ما زالت في موضعها،
لبست السواد،
تشتاق لترسم حدود عينيك،
وترسم الفتنة فيهما.
حبيبي،
زجاجات عطري تبكيك أنت، لا أنا.
ألم تعلم أنها لا تنضح إلا حين أذكرك،
ولا تفوح إلا إذا اشتقت إليك... بصمت؟
كحل عيني جفّ منذ جفّ وصالك،
وفتنتي هجرتني مذ هجرتني.
حبيبتي،
منذ التقينا،
ما عاد الليل ليلًا،
ولا النهار نهارًا،
ولا السماء سماءً،
ولا الأرض أرضًا.
لم أعد أدري أين أنا، ولا أين أنت.
حبيبي
أما زلت تظن أننا افترقنا؟
لا يا حبيبي،
نحن فقط خُلقنا من ضوءين
تفرّقا في الزمان،
لكن الروح ما زالت تعانقك
في كل رعشة حلم،
وفي كل ومضة حنين.
كل الشتات في العالم هو أنا،
كنت أعزف ترانيم أشواقي
على مقامات الشجن،
وأغني كلماتي بودّ العاشق.
حروفي كانت مطرزاتٍ فارسية
حاكتها منظومات عشقي،
كتبتها بهمسات قلبٍ متيم
لم تُفتح أبوابه إلا لك.
منذ التقينا،
تغيّرت كل الأشياء من حولي.
معلّقاتي سقطت حروفها،
وأفلاطونياتي سرقها الليل.
كأن سحرة فرعون خُلقوا ليفرقونا،
ليخلقوا البعاد بيننا،
لترحلي مثل سحابات الصيف،
ويصنعوا مسافات شاسعة
تفصلنا كالتي بين الأرض والسماء.
حبيبي
تعالَ،
نردّ السحر على الساحر،
ونبني جسرًا بين الحلم والحقيقة.
أنا هو أنت، وأنت هو أنا.
نحن لسنا وهمًا ولا فرقة،
نحن لم يذكر التاريخ لنا أشباهًا،
ولن يجرؤ أحد أن يكون مثلنا.
نحن حالة متفرّدة،
بمعانٍ تخصّنا وحدنا.
حبيبتي
ما زالت الصور محفوظة في رأسي،
وما زالت الذكريات توقد شموعها في مخيلتي.
كل ليلة أستحضر بها وجودك،
كأن الحسد والحاسدين يتربصون بنا،
بسحرهم أوهمونا بفواصل لا تُجتاز،
وألقوا علينا تعاويذ النمرود
بأيدٍ شيطانية.
لكنني،
رغم كل هذا،
لن أتخلّى عن أنثى هي كلّ الحياة لي،
ولن تردعني قوى الظلام عن حبك،
فأنتِ المرأة التي أحب.
حبيبي
أنا المرأة التي كتبتك،
ونقشت اسمك في دفاتري قبل أن أعرفك،
ونذرت قلبي لك،
فلا تجعلني أقرأ فصول الفراق
التي لم أكتبها بيدي.
لنعِد اللقاء مرة أخرى،
ونردّ السحر على الساحر،
لنكون "نحن"، لا "هم"،
لنكون "أنا وأنت".
تعالَ،
ليكون لقاؤنا إشراقة جديدة
لشمس حياةٍ جديدة تجمعني بك.
معًا،
نُبعد كل الستائر السوداء
التي غلّفت أيامنا،
ونفتح نوافذ الأمل
لتتنقّى سماؤنا من كل رجس،
وليكون هذا اليوم من أجل غدٍ جميل
لي… ولك،
لا من أجل أمسٍ بغيض فرّقنا.
حبيبتي
منذ التقينا،
كتبتُ أولى الكلمات في موسوعة الحب،
وكنا أوّل الأسماء على أولى صفحاتها.
د.كرم الدين يحيى إرشيدات
الاردن