الخميس، 19 سبتمبر 2019

ج4 من قصة {{بطل من ورق}}بقلم الأديب العراقي القدير الاستاذ{{رعد الإمارة}}

{{بطل من ورق،}} 

 {{الجزء الرابع}} 

بأصابعها الرفيعة البيضاء، تناولت من الحوض المعدني الكبير حزمة من الحشائش اليابسة شبه الخضراء،ثم تقدمت بثبات نحو الجمل الرابض والذي كان يحدق فيها من خلف السياج الحديدي المشبك. دفعت بما لديها نحوه، وسرعان ما مد الأخير رقبته الطويلة وأخذ يلتقط الحشائش من يدها الثابتة الممدودة،تبا له! كان يلوكها بطريقة آلية تبعث على الملل، حتى إنها أثارت اشمئزازي! كنت أقف خلفها تماما، بيد إنني مالبثت أن تراجعت للوراء، وواصلت التحديق برعب ودهشة لتلك الأسنان الضخمة والزبد الكثيف الذي كان يحيط بشدقيه المضحكين المتدليين! انتابني الذعر حينما تخيلت كفي الصغيرة مع حزمة الحشائش التافهة بين أسنانه الضخمة الشبيهة بأحجار الصلد، وبلا وعي ضممت كفي إلى صدري فيما اخفيت الأخرى في جيب بنطلوني! لمحتها تتقدم صوب الجمل، وجدت نفسي أقف بجانبها ، ملاصقا لها تماما، همست لها محذرا، وطلبت إليها الابتعاد بسرعة عن هذا الشيء الضخم! لم تنبس بحرف، كان ثمة حبات من العرق قد ظللت جبينها الحلو، رمقتني بنظرة جانبية طفولية لعينة، ثم بتصميم أرعن تناولت حزمة أخرى من الحشائش ودنت أكثر هذه المرة! ياربي، أحمر وجهي بشدة وأخذت الهث، وضعت اصابعي على كتفها وضغطت برقة،فيما ظل بصري معلقا بعيني الجمل الباردتين! ورغما عني ،مر من أمام ذهني خيال سريع،فتصورت نفسي أخوض معركة غير متكافئة بتاتا مع هذا المخلوق، فيما لو تجرأ وقضم شىء من أصابع حبيبتي! فجأة استدارت نحوي وهي تبتسم، فيما اصطبغت ملامحها العذبة بأحمرار خفيف، قالت :
-هيا بنا. ثم هزت كتفيها 
كنت عابسا، نفخت الهواء بقوة، وهمست لنفسي من بين أسناني، أخيرا إنتهى الأمر بسلام! 
سرنا متلاصقين، لايقطع صمتنا سوى صوت خطواتنا، كنت اتأملها وهي تمشي بجانبي بكل رغباتها المجنونة! أحيانا كنت اهرب من نظراتها، خاصة تلك التي ترمقني فيها بزاوية عينيها! الملعونة كانت بحركتها تلك تثيرني وتملأني بأنتشاء غريب، لدرجة أنني كنت اتمنى حينها لو ضربت الأرض بقدمي مرة ومرتان!!
مرت الأيام بصورة ثقيلة، وعندما حان موعد لقاؤنا ضحكت بشكل مطول، حتى إن الدموع تطافرت من عيني، ثم تنهدت طويلا، وأنا أتذكر كل حركاتها الطفولية العذبة. تجولنا كثيرا، وضحكنا أكثر، كان المرح يحيط بهيئتها، أما اصابعها الطرية فلم تفارق كفي ابدا! ثم قادتنا خطواتنا كالعادة صوب جملها المحبوب، ووجدت نفسي انقاد إليها وإلى جنونها المعتاد! حدقنا بدهشة نحن الإثنان، هذه المرة كان الجمل يختلف، فهو أشد بياضا من سابقه، حتى إنه أصغر بكثير، لكن مازاد دهشتنا، أو دهشة حبيبتي بالأحرى !إنه لم يكن ثمة حشيش في الحوض المعدني ،كان خاليا تماما!!وجدتها تخفض بصرها للأرض، كانت الخيبة والغضب قد تمكنا منها، رثيت لحالها بصدق وتعاطفت تماما معها، ظلت مقطبة الجبين تدير بصرها الحائر في كل الاتجاهات، ثم أخذت ترمق الجمل مطولا، وفجأة أخذت تحدق بي بنظرات جامدة! شعرت بخجل شديد، يا إلهي، هل تقارن بيننا مثلا، أنا والجمل!!لكني سرعان ماطردت هذه الفكرة المضحكة من خيالي!رأيتها تنحني بكامل فتنتها لتلتقط ما تناثر من حشائش هنا وهناك، هرعت بكل مالدي من طاقة وأخذت أجمع الحشائش معها، وضعته بين كفيها الصغيرتين، أخيرا تجمع لديها حزمة لا بأس بها، توردت ملامح وجهها، ضحكت ضحكة قصيرة ثم تقدمت بخطوات ثابتة نحو الجمل وهي تلوح بالباقة. أخذت اراقبها، وعلت الدهشة ملامح وجهي حين رأيت كيف تقدم منها الجمل بشفتيه الغليضتين، أصبحا قريبين من بعضهما الآن، لايفصل بينهما إلا السور المشبك! منحته ما في يدها، ثم راحت تداعب رأسه!لم تكن خائفة بقدر ماكانت مثارة، كان يطل من عينيها فرح طفولي أعرفه! بقيت اراقبهما بحذر شديد، كنت متشنجا! رأيتها فجأة تلتفت نحوي وتهتف :
-تعال، إنها أنثى، هذه ناقة يا حبيبي! 
أخذت تضحك مثل مجنونة وتصفق بيديها الاثنتين! بعد لحظات سمعتها تتحدث مع الناقة بهمهمة لم اتبينها! قالت :
-تعال هنا، تريد تبوسك! 
وقسما بربي، إن الجمل الذي اتضح إنه ناقة، مدت رأسها لي بعينيها الواسعتين جدا وهي تلعب بشفتيها! 
ولوهلة صدقت الأمر، واصلت التحديق بالشفتين المتدليتين، انتابتني رغبة شديدة بالتقيؤ،تراجعت للخلف بسرعة واستدرت لاعنا بسري الاثنتين حبيبتي والناقة! فيما بعد شعرت بخطواتها خلفي، كنت امشي والغبار يثور من تحت قدمي، لم اجرؤ على التلفت للخلف، لكني كنت أفكر  جادا هذه المرة بطريقة تبعدني وحبيبتي عن الناقة ومنتزه الزوراء ،وللأبد!!!(ملاحظة :القصة حقيقية، أما كيف عرفت هي بأن الجمل ناقة فلا أدري، انا لم اسألها ولن أفعل! )
بقلم /رعد الإمارة /العراق 
29/8/2019 الخميس

ليست هناك تعليقات: