{{بطل من ورق}}
{{ الجزء الثالث }}
وجدت نفسي أمشي على أطراف اصابعي، متمايلا كأحد لاعبي السيرك. كان الوقت حينذاك قد تجاوز منتصف الليل بساعتين، كنت حذرا جدا، فأدنى حركة مني كانت ستفسد كل شىء، وقد توقظ أهلي الغارقين في النوم، وهو ماكنت لا أرغب بأن يحدث بأي حال من الأحوال. انتابتني رجفة جعلت جسدي يختض كله، اللعنة! إنه ليس أوان الرقص على أية حال، كان علي كأي عاشق أحمق ارتداء ثيابا أكثر دفئا من هذه التي تكسو جسدي الآن! كنت أحدث نفسي بصمت فيما واصلت قدماي تقدمهما الحلزوني، توقفت إزاء الجدار الفاصل بين دارنا ودار الجيران، ثمة خلف الجدار هذا حديقة مهجورة تعود لهم زحفت عليها الحشائش البرية فأضحت شبه جرداء. ألقيت نظرة أخيرة على أبواب غرف أهلي الموصدة فيما كانت اصابعي تداعب حافة السور شبه العالي، صمت مرعب ومريب لايقطعه إلا أصوات تلك الجنادب اللعينة وأحيانا نقيق اخرق لبعض الضفادع في البرك البعيدة! كانت قريتنا مسالمة وهادئة وذات طبيعة خلابة، بيد إن أجمل ما فيها هو نوم سكانها المبكر جدا، وكأن سلطان النوم قد عقد اتفاقا مبهما معهم، فهو يلقي بعبائته عليهم بعد غروب الشمس بقليل،وعندها يغفو كل شىء الإنسان والحيوان وحتى الشجر! تخشبت اصابعي على حافة السور، بقيت ساكنا للحظات ثم مالبثت أن رفعت رأسي للسماء بغيومها المتفرقة وقمرها شبه المعتم، لكنني سرعان ما هربت بنظراتي حياءا من سخافتي، فالتضرع فيما انا مقبل عليه كان سيبدو معيبا جدا! سحبت نفسا عميقا، وبقفزة كلها خوف وارتباك كنت قد أصبحت في الجهة الأخرى من السور. بقيت جالسا في مكاني،دون أدنى حركة وأصبح جسدي ملاصقا للأرض الموحلة كجذع شجرة ميت!لحظات ثم نخرت البرودة جسدي، أخذت اسناني تصطك، كان جسدي يختض الآن، احطت ركبتاي بكلتا ذراعي ثم أخذت اهز نفسي كبندول الساعة! تبا لي ولكسلي، لو إني ارتديت ثيابا دافئة لما حدث لي هذا!أخذت نفسا عميقا، وحاولت السيطرة على مشاعر غضبي، حتى أنني طردت كل الأفكار المتشائمة الأخرى، واقتصر تفكيري على معشوقتي التي تنتظرني خلف زجاج نافذة غرفتها البارد! في البداية أخذت أمشي على أربع، وكأني إحدى دواب القرية، وكان الوحل والطين المتخلف عن هطول المطر قد شل حركتي، فأخذت أنقل اقدامي بطريقة تهريجية ومضحكة! ورغم ذلك فأن حذري لم يفارق ذهني ابدا، وكنت أتلفت في كل الإتجاهات مثل لص محترف! كنت قد قطعت مسافة لابأس بها، في سيري الحلزوني هذا.كانت غرف أهل الدار أمامي الآن وقد خيم الصمت عليها وعلى شاغليها، الصقت ظهري بجدار إحدى الغرف واتخذت من الظلام السائد فرصة للراحة، وراودتني رغبة في تدخين سيجارة، سيجارة واحدة فحسب، مددت اصابعي الباردة التي لوثها الوحل لكنني سرعان ما تراجعت عن ذلك، جمدت اصابعي المثلجة اصلا في الهواء، أحمق! هكذا همست لنفسي، أتريد فضح نفسك!نهضت واقفا، تلفت يمنة ويسرة، احنيت ظهري ثم تقدمت قاطعا ماتبقى من خطوات، أخيرا أنا خلف النافذة. استجمعت أنفاسي، نفخت الهواء بقوة، طرقة واحدة خفيفة على زجاج النافذة، إنتظار، ثم كررت ذات الشيء وأخذ قلبي يخفق بقوة! سمعت حركة، أشبه بحركة شخص ينزل عن سرير، رغم العتمة! لمحت وجه جميلتي خلف زجاج النافذة،كانت الملعونة تشع بالرغبة! اختفت من أمامي، لحظات ثم صوت لقفل الباب وهو يفتح، ياربي! أصبح الأمر قريبا إذن، استدرت بسرعة دون حساب لخطواتي الثقيلة، وجدت نفسي أقف بطولي الجميل أمام الباب، لكني كنت ارتجف كورقة في مهب الريح! لكن ماحدث اذهلني، إذ ماكدت اخطو الخطوة الأخيرة، وقبل أن تمتد اصابعي لتصافح اكرة الباب، إذا بخيال كبير لجثمان رجل!كان خلفي، تلفت مرعوبا، كان والدها يقف فوق رأسي تماما مثل نخلة فارعة وطويلة! جمدت في مكاني، وارعبني منظر السخرية في عينيه والسيجارة المشتعلة في زاوية فمه، كان يراقبني إذن! تبا لي من غبي! لا اراديا، وضعت كلتا يدي فوق رأسي وتوقعت ضربا ولكما شديدا، لكن أي شىء من هذا لم يحدث، فقط شعرت بهزة قوية، فتحت عيناي على وسعهما! كانت أمي تقف فوق رأسي الآن وهي تقول :
-مابك يابني لقد ارعبتني كثيرا!
غرقت في خجلي، ورحت أضحك بقوة كنت احلم إذن!!!
بقلم /رعد الإمارة /العراق
26/8/2019 الإثنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق