أسيد بن حضير.. الصحابي الذي استمعت إليه الملائكة وهو يقرأ القران
ــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 29-11-2019
أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن نافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأَوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، الأشهلي الأوسي. كُنيته أبو يحيى أو أبو عمرو أو أبو حُضير او ابو عتيك ، صحابي جليل كان زعيما للأوس في المدينة قبل إسلامه، وورث عن أبيه مكانته، حيث كان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية ومن مقاتليهم الأشداء وقد ورث المكارم كابرا عن كابر وكان صاحب فكر صاف وشخصية مستقيمة قوية وناصعة ورأي ثاقب وهو سبب نزول آية التيمم وعُرف بشدّته في القتال، وكان ذا فكرٍ ناصعٍ وشخصيّةٍ قويّةٍ فذّةٍ، وصاحب رأيٍ ثاقبٍ،
قصة إسلامه
ــــــــــــ كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام قد أرسل مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين قَدِمَ الفَتَى المكِّيُّ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ إلَى يَثْرِبَ ، في أوَّل بَعْثَة تَبْشِيريةٍ عَرَفَهَا تاريخُ الإسلام.فَنَزَلَ على أسعدَ بنِ زُرَارَةَ أحَدِ أشرافِ الخَزْرَجِ ، واتَّخَذَ مِنْ دارِه مَقاما لنفسهِ، ومُنْطَلَقاً لِبَثِّ دَعْوَتِهِ إلى اللّهِ، والتبشِيرِ بِنَبيِّه محمدٍ رسولِ اللّهِ.وأخذ أبناءُ يَثْرِبَ يُقبِلون على مجالِسِ الدَّاعِيَةِ الشابِّ مُصْعِبِ بنِ عُمَيْرٍ إِقبالاً كبيراً.وكان يُغْرِيهمْ به عُذوبَةُ حديثهِ، ووضُوحُ حُجَّتِهِ، ورِقّةُ شَمائِلِه ، ووَضاءَةُ الإيمانِ التي تُشرِقُ من وَجْهِه القسِيم الَوسيم
وكان يجذِبُهم إليه شيءٌ آخَرُ فوق ذلك كلِّه، هو هذا القرَانُ الذي كان يَتْلو عليهم بَيْنَ الفيْنَةِ وَالفيْنَةِ بَعْضاً من آياتِه البَيِّناتِ، بِصوْتِهِ الشَّجِيِّ الرّخيم، ونَبَرَاتِه الحُلْوَةِ الآسِرَةِ، فَيَسْتَلينُ به القلوبَ القاسِيَةَ، وَيَسْتَدِرُّ الدُّموع العاصِيَةَ، فلا يَنْفضُّ المجلسُ مِنْ مجالِسِه إِلاَّ عن أناس أسْلموا وانْضَمَّوا إلى كتائِبِ الإيمانِ.
وفي ذاتِ يوم، خَرَجَ أسعدُ بنُ زُرَارَةَ بضيفِه الداعِيَةِ مُصْعَبِ بن عُمَيْرٍ ، لِيَلْقَى جماعةً من بَني عبدِ الأشْهَلِ، ويَعْرض عليهم الإسْلامَ، فدخلا بُسْتاناً من بساتين بني عبدِ الأشْهَل، وجَلَسا عِنْدَ بِئْرِها العَذْبَةِ في ظِلالِ النخيلِ.
فاجْتَمَعَ على مُصْعَبٍ جماعة قد أسْلموا وآخَرون يريدون أنْ يَسْمعوا، فانطلقَ يدعو ويُبَشِّرُ، والناسُ إليه منصتُونَ، وَبرَوْعَةِ حديثه مأخوذون.
فجاءَ مَنْ أخْبَرَ أسَيْدَ بنَ الحُضيْرِ وسَعْدَ بنَ معاذ- وكانا سَيِّدَي الأوس - بأنَّ الداعِيةَ المكيَّ قد نَزَلَ قريباً من ديارِهما، وأنَّ الذي جَرَّأهُ على ذلك أسعدُ بنُ زُرَارَةَ.
فقال سعدُ بنُ معاذٍ لأسَيْدِ بن الحُضَيْرِ:
لا أبا لك يا أسَيْدُ ، اِنْطَلِقْ إلى هذا الفتى المكيِّ الذي جاء إلى بيوتنا لِيُغْرِيَ ضعَفَاءَنَا، وَيُسَفِّهَ آلِهَتنا، وازْجُرْهُ ، وحَذِّرْهُ مِنْ أن يَطَأ دِيَارَنا بعدَ اليومِ.
ثم أرْدَفَ يقول:
ولولا أنّهُ في ضِيَافَةِ ابن خالتي أسعدَ بن زُرَارَةَ، وأنَّه يَمْشي في حِمَايتِه لكفيتُك ذلك.
أخذَ أسَيْدٌ حَرْبَتَهُ، ومَضَى نَحْوَ الْبُسْتَان، فلمَّا رآهُ أسعدُ بنُ زُرارَةَ مُقْبلاً قال لمصعَبٍ :وَيْحَكَ يا مُصْعَبُ، هذا سَيِّدُ قومِه، وأرْجَحُهُمْ عقلاً، وأكملهم كمالاً: أسَيْدُ بنُ الحُضَيْر.
فإن يُسْلِمْ تَبِعَهُ في إِسْلامِهِ خَلْقٌ كثيرٌ ، فاصْدُق اللّهَ فيه، وأحْسِنِ التَّأنّي له .
وقفَ أسيدُ بنُ الحُضيْرِ على الْجَمْع، والْتَفَتَ إلى مُصْعَبٍ وصاحِبه وقال:
ما جاءَ بكما إلى ديارنا، وأغراكما بضُعَفَائِنا ؟! اِعْتَزِلا هذا الحَيَّ إِنْ كانَتْ لكما بنَفْسَيْكما حاجة
فالْتَفَتَ مُصْعب إلى أسَيْدٍ بِوَجْهِهِ الُمشْرِقِ بِنُورِ الايمان، وخاطَبَه بِلَهْجَتِهِ الصَّادِقَةِ الآسِرَةِ وقال له:
يا سَيِّدَ قَوْمِه، هَلْ لَكَ في خَيْرٍ من ذلك.
قال:
وما هو؟
قال:
تجلِسُ إلينا وتَسْمَعُ مِنَّا، فإنْ رضيتَ ما قُلْنَاهُ قَبِلْتَه، وإنْ لم تَرْضَهُ تَحَوَّلْنَا عَنْكُم ولم نَعُدْ إِليكم.
فقال اُسَيْد:
لقد أنصَفْتَ، وركَزَ رُمْحَهُ في الأرضِ وجَلَسَ.
فأقبَلَ عليه مُصْعب يَذْكُرُ له حقيقةَ الإسلامِ، ويقرأ عليه شيئاً من آياتِ القرَان؟ فانْبَسَطَتْ أسارِيرهُ وأشرَقَ وجهُهُ وقال:
ما أحسن هذا الذي تقولُ، وما أجَلَّ ذلك الذي تَتْلو!!!
كيف تصنعون إذا أرَدْتُمُ الدخولَ فِي الإسلامِ؟!.
فقال له مصعب:
تَغْتَسِلُ وَتُطَهِّرُ ثيابَك، وتشهدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللّه وأن محمداً رسولُ اللّهِ، وتُصَلِّي رَكْعَتَيْن.
فقام إلى البئر فَتَطَهَّرَ بمائها، وشَهدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه وأنَّ محمداً عبدهُ ورسولُه وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
فانضم في ذلك اليوم إلى كَتَـائِبِ الإسـلامِ فارس من فُرْسـانِ العَرَبِ المَرْموقين ، وسيِّد من ساداتِ الأوْسِ المَعْدودين.بهذه السهولة انتقل من معسكر الكفر إلى معسكر الإيمان، وما هي إلا دقائق حتى شعر أسيد رضي الله عنه بحلاوة الإسلام، وأحب أن ينقل هذه الحلاوة لمن يحبهم، ولم يصبح مسلماً فقط، بل أصبح داعية
وعندما هاجر النبيّ -عليه السّلام- إلى المدينة آخى بينه وبين زيد بن حارثة رضي الله عنهما، وقد تخلّف أسيد عن غزوة بدرٍ، وقال أنّه كان يظنّ أنّ المسلمين خرجوا لأجل العير فلم يشأ أن يذهب، ولو أنّه علم أنّه الغزو لما تخلّف، لكنّه شارك في غزوة أحد وأصيب فيها بعدّة طعناتٍ،
ورد في الصحيح في حديثٍ طويلٍ أنّ أسيد ابتدر يقرأ سورة البقرة ليلاً وكانت فرسه بقربه، فصارت الفرس تجول حوله من صوته، فسكت فسكتت الفرس، ثمّ قرأ فجالت الفرس، ثمّ سكت فسكتت، وكان ابنه يحيى قريباً منه، فخشي أن تدوسه الفرس وهي تجول، فسكت عن التلاوة، فلمّا أصبح أخبر النبيّ -عليه السّلام- بما حصل معه، فقال له النبيّ عليه السّلام: (تلكَ الملائكةُ دَنَتْ لصوتِكَ، ولو قرأتَ لأصبحتْ ينظرُ الناسُ إليها لا تَتَوَارَى منهم)، فكان أنّ الملائكة انبهرت وعجبت لجمال الصوت والخشوع الذي فيه، فأقبلت تدنو من الأرض تستمع لتلاوة أسيد رضي الله عنه، وهو يتغنّى بالقرآن ليلاً
قال ابن إسحاق : أسيد بن حضير نقيب لم يشهد بدرا ، يكنى أبا يحيى . ويقال : كان في أسيد مزاح وطيب أخلاق
قال محمد بن سعد : آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين زيد بن حارثة
وله رواية أحاديث ، روت عنه عائشة ، وكعب بن مالك ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ولم يلحقه .
عن ابن إسحاق : عن يحيى بن عباد بن عبد الله ، عن عائشة قالت : ثلاثة من الأنصار من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وعباد بن بشر ، رضي الله عنهم .
روى حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أسيد بن حضير - وكان فيه مزاح - أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعود كان معه ، فقال : أصبرني ، فقال : اصطبر ، قال : إن عليك قميصا وليس علي قميص ، قال : فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه ، قال : فجعل يقبل كشحه ويقول : إنما أردت هذا يا رسول الله .
في غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبيّ فقال لمن حوله من أهل المدينة: " لقد أحللتمومهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير دياركم ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل" سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتألم كثيراً ، فقابله أسيد بن حضير فقال له النبي عليه السلام: "أوما بلغك ما قال صاحبكم؟" قال أسيد : "وأيّ صاحب يا رسول الله ؟" قال الرسول : "عبدالله بن أبيّ" قال أسيد : "وماذا قال ؟" قال الرسول : "زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل" قال أسيد : :فأنت والله ، يا رسول الله ، تخرجه منها إن شاء الله ، هو والله الذليل ، وأنت العزيز ثم قال أسيد : " يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا ، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكاً"
روى البخاري بسنده عن أسيد بن حضير أن رجلاً من الأنصار قال : يا رسول الله ، ألا تستعملني كما استعملت فلانًا. قال: "ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".
حديث آخر شبيه للحديث الذي قبله: عن أنس قال: جاء أسيد بن حضير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان قسم طعامًا، فذكر له أهل بيت من الأنصار من بني ظفر فيهم حاجة، وجُلّ أهل ذلك البيت نسوة، فقال له النبي: "تركتنا يا أسيد حتى ذهب ما في أيدينا، فإذا سمعت بشيء قد جاءنا فاذكر لي أهل ذلك البيت". فجاءه بعد ذلك طعام من خيبر شعير أو تمر، فقسّم رسول الله في الناس وقسم في الأنصار فأجزل، وقسم في أهل البيت فأجزل. فقال أسيد بن حضير متشكرًا: "جزاك الله أي نبي الله أطيب الجزاء". فقال النبي : "وأنتم معشر الأنصار، فجزاكم الله أطيب الجزاء؛ فإنكم ما علمت أعفة صُبُر، وسترون بعدي أثرة في الأمر والقسم، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".
عن أبي سعيد الخدري وابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن حضير أن النبي قال له: "اقرأ يا أسيد، فقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود".
عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يحدّث القوم وكان فيه مزاح، بَيْنَا يضحكهم، فطعنه النبي في خاصرته بعود، فقال: أَصْبِرْنِي (أَقِدْني من نفسك). فقال: "اِصْطَبِرْ" (اسْتَقِدْ). قال: إن عليك قميصًا وليس عليَّ قميص. فرفع النبي عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبّل كشحه (الكشح هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي)، قال: "إنما أردت هذا يا رسول الله"
عن أسيد بن حضير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنكم ستلقون بعدي أثرة". فلما كان زمان عمر قسّم حُللاً فبعث إليَّ منها بحلة، فاستصغرتها فأعطيتها ابني، فبينا أنا أصلي إذ مر بي شاب من قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها، فذكرت قول رسول الله : "إنكم ستلقون أثرة بعدي". فقلت: صدق رسول الله . فانطلق رجل إلى عمر فأخبره، فجاء وأنا أصلي فقال: صلِّ يا أسيد. فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته، قال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدريّ أحديّ عقبيّ، فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني. قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذلك لا يكون في زمانك.
عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي : أنها قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة، فأناخ رسول الله ونزل، فبينا رسول الله في حجري راقد أقبل أبي فلكزني لكزة، ثم قال: حبست الناس ! ثم إن رسول الله استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد، ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المائدة: 6]. قال أسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة.
وفاته
عن عروة أن أسيد بن حضير مات وعليه دين أربعة آلاف درهم فبيعت أرضه، فقال عمر : لا أترك بني أخي عالة. فردَّ الأرض وباع ثمرها من الغُرماء أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم. وقد تُوُفِّي سنة 20 من الهجرة، ودُفن بالبقيع.
المصادر
ـــــــــــ
1- البخاري ومسلم (باب فضائل الصحابة).
2- جامع الأصول: 9/378.
3- طبقات ابن سعد: 3/ 603.
4- تهذيب التهذيب: 1/ 347.
5- أسد الغابة: 1/ 92.
6- حياة الصحابة
7- الطبقات لابن سعد
8- ابن اسحاق - السيرة
9- الواقدي المغازي
10 - الاستيعاب في معرفة الاصحاب
11. الإعلام .للذهبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق