الجمعة، 24 أبريل 2020

ج1 من رواية {{رجل ونساء}} بقلم الكاتب العراقي القدير الأستاذ{{رعد الإمارة}}

(رجل ونساء ) رواية في شكل حكايات 
1 -(الحكاية الأولى ) لم  أكن أنتظر شيئا كبيرا من الدنيا، أشعر بأنه قد فات الأوان لأفعل ذلك! إن عروق حياتي في طريقها للجفاف، كان هذا الثمن الذي دفعه، كل من عرفت من الكبار ،وأنا منهم طبعا!. في مثل سني، لم يعد بالإمكان سوى تذكر الماضي والتحسر عليه ربما، لكني ولشد ما أعجبني قد  عبرت مرحلة الحسرة! أصبحت شيخا متأملا فقط، وهذا التأمل قادني للبحث في محطات حياتي الغاربة عن ذكريات! ثمة ذكريات، وهذه الذكريات قررت أخيرا أن تستعيد نفسها وبريقها في شكل حكايات! لكن ثمة شىء غريب هو ذلك الإصرار العجيب من العقل بأن تهبط أولا ذكرياتي مع النساء! آه ثمة رجفة خفيفة في اصابعي، مع ذلك لنبدأ! كانت غصون هي أول من عرفت، لقد دخلت مثل البرق في حياتي ثم تلاشى وميضها بسرعة!أنا اتذكرها بقوة لأنها كانت تشبه البطة! لا أعني بذلك شكلها وإنما طريقة مشيتها اللعينة، واللعينة جدا ، كنت  مشغولا برزم الكتب الجامعية، في إحدى الورش العديدة المنتشرة،وكان صديقي الذي يماثلني بالعمر مشغولا هو الآخر، لكن بأستخراج صور للمناظر الطبيعية من وسط الكتب، والتي كان في أغلبها تمثل منظرا لرجل وامرأة يحتضنان بعضهما عند الساحل، بينما يحيط بهما غروب الشمس الجميل، رفعت رأسي ورأيتها، كانت سمراء ،أما شعرها الأسود  فقد عقدته في شكل ضفيرة واحدة، توقفت خطواتها عند صديقي، سمعتهما يتحدثان ،سرعان ماعلت ضحكة صديقي الوسيم ذي العينين الخضروايتين والشعر المائل للأشقرار،ثم لمحتها بطرف عيني، كانت تتوجه صوبي ،تخشبت اصابعي على رزمة الكتب أمامي، راح قلبي يدق بسرعة، ياالهي، إنها فعلا قادمة نحوي! احمر وجهي حتى قبل أن تنطق بحرف، تبا لك ياصاحبي ماذا قلت لها حتى جعلتها تقف فوق رأسي الآن ،وهي تتفحصني وكأني فأر تجارب. حاولت أن ارفع رأسي لأنقل له من خلال نظراتي كل مايعتلج في نفسي من غضب، لكن البطة أصدرت صوتا موسيقيا فجأة، لقد صبت كلماتها في أذني فأشتد ارتجاف جسدي، قالت :
-مرحبا، أريد صورة لمنظر الغروب، صديقك يقول إن لديك الكثير منها! أريد واحدة لنفسي، كل صديقاتي لديهن، صاحبك يقول أنك أنت من وزع الصور عليهن. هذه المرة رفعت رأسي، حدقت نحو صديقي وأنا أشعر بالحنق الشديد، وجدته يغمزني ويضحك بصورة متواصلة،ثم يشيح بوجهه بعيدا عني ! وجدت نفسي فجأة وانا الشاب الخجول في حيرة من أمري ،بين صديقي الجريء الكاذب ،وتلك البطة التي انصبت نظراتها على ملامح وجهي المحمر تماما! أخذت اصابعي تبحث بين صفحات الكتب المكدسة، كان ثمة كثير من المناظر المتشابهة، راحت تصفق بيديها وهي تضحك، هتفت :
-إن حظي كبير، انظر لديك الكثير منها يابخيل! دعني اساعدك، أصابعك ترتجف. كنت احدق في اظافرها المطلية حديثا، حينما رتبت صور المناظر الثلاث بين يديها ،تنهدت وقالت :
-تكفيني هذه، سأعلقها في غرفتي، شكرا لك. لم انبس بحرف، كانت خطواتها سريعة، رفعت رأسي،حدقت فيها من الخلف،  كان قميصها الأبيض مشدودا على جسدها، أما تنورتها السوداء فكانت هي الأخرى ضيقة، ياربي! إنها فعلا بطة بذلك الجسد المرتد للخلف! سمعته يضحك كعادته، كان ذلك صديقي، اشحت بوجهي جانبا، لكن صوته دوى في أذني :
-أظنها أعجبتك ياصديقي، لا الومك، إنها جدا مثيرة. كان مطعم الجامعة القريب يعج بالموظفين والموظفات والعاملين والعاملات ،أنه يوم إستلام الراتب! أما نحن ذوي الأجور الأسبوعية فقد انزوى أغلبنا جانبا، بعضنا كان قد اصطحب طعامه معه وخاصة الفتيات، اكتفيت انا وصديقي بالتفرج في بادىء الأمر،ثم قررنا أخيرا ابتياع بعض الطعام، رحنا نحدق في  الطاولات المبعثرة التي راحت شيئا فشيئا تخلو من روادها، لم نكن نعرف أحدا، كانت أغلب الوجوه التي تصفحناها غريبة، التهم صديقي طعامه بسرعة فيما اكتفيت أنا بتناول لقيمات قليلة، انتابني شعور بأن أغلب تلك الوجوه تحدق في! حسدت صاحبي على جرأته وقدرته العجيبة على إلقاء النكات والتعليقات، بل وحتى التحديق بالآخرين دون أن يرف له جفن! أخرج علبة سجائره المور ذات الغلاف الأخضر، قدم لي واحدة، فاح عبيرها الأخاذ! رحت انفث الدخان و شعرت بأني ادوخ، لم تكن المرة الأولى، ربما يعود السبب للأنفاس المتلاحقة! ثمة عينان تحدقان بي الآن، إنها هي، تجلس خلف صديقي ويفصل بيننا ثلاث طاولات، كان معها بنتين، رحت اختلس النظر، لكني كففت عن نفث الدخان في الجو! اللعين صديقي، شعر بي بعد قليل، التفت للخلف ثم ارتد نحوي بملامح وجهه الضاحكة، رفع حاجبيه بوجهي،قال :
-فاز باللذات من كان جسورا، وانت لست جسورا! سأريك الآن.  (انتهى القسم الأول من الحكاية الأولى /يتبع 😨)

بقلم /رعد الإمارة /العراق

ليست هناك تعليقات: