لست يئسا من وضع صعب نعيشه منذ قرنين أو أكثر من أنه يوما سيتغير و لا واهما ان قلت بأن النصر آت و هو قريب و نحن نرى أنفسنا على شفة حفرة من الوقوع تحت استعباد جديد و لنقل احتلال مجدد..
الأن يكون دخل عام هجري جديد بعد أن أنقضى عام سبقه حدث فيه ما حدث و تغيرت أوضاع و أحوال..
الهجرة في نظري درس للأجيال المسلمة كلها و عبر كل العصور و لم تكن فقط خاصة بجيل محمد صلى الله عليه وسلم وجماعته..
الهجرة جاءت بعد أن تعذر اقناع قريش بالتغيير و الالتحاق بموكب الاسلام الذي به أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء عهد جديد اجتماعي وانساني و تاريخي..
لقد وقف الجهل والظلم و الاستعلاء و الاستبداد والاحتكار و الأنانية و الاستكبار و الاستعباد التقاليد البالية في طريق هذا البناء الجديد الفاتح للنهج الصحيح في بناء المجتمعات الانسانية فكرا و أخلاقا و اجتماعا و اقتصادا وسياسة..
الهجرة توجبت لما بدأ التهديد و المطاردة و الاقصاء و العدوان والاخراج من الديار و ذلك الى المدينة حيث كانت الظروف مهيأة مسبقا بفعل الدعوة الى الله والاسلام..
فالهجرة كانت بداية جديدة لاجتماعية قوم و قيادة سياسية جديدة لعهد اجتماعي وقانوني مبني على الشرعية المستمدة من ارادة الأمة و رغبتها في حياة كريمة يسودها التسامح و يشيع فيها العدل والحق والمساواة..
في هذا اليوم من كل سنة نحتفل كأمة مفرقة شعوبها بالحدود و الايديولوجيات و العرقيات و المذاهب دون أن نستخلص من الهجرة الشيء الأساسي الذي هو المجتمع المبني على الجماعة المؤمنة الموحدة..
لم نبني ما بناه محمد صلى الله عليه وسلم من خلال هجرته اي مجتمع الايمان بالله المنفذ لأوامره و نواهيه و المترجم لتعاليمه السامية الموحدة و الجامعة..
لم نبن ما بناه محمد صلى الله عليه وسلم بنهج أن هجر من الظلم و الجور والتهديد و الوعيد والحرمان من الحرية والحقوق و الكرامة و الفرص..
لقد أكتفينا بالاحتفال بهذه المناسبة من باب الرياء فقط و التأكيد على اسلامنا الذي لا يشبه الاسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم دون استنباط الدروس و التجربة الاجتماعية والسياسية و هو الذي بهجرته صنع التاريخ الاسلامي الايماني الموحد و الوحدوي انطلاقا من الولاء والانتماء و الفكرة والمشروع و الجغرافية..
أين نحن من هذا البناء و هذا المشروع الذي جسده الرسول صلى الله عليه وسلم رغم أنه عانى ما عانى لكنه بحكمته و شجاعته و صبره و رغبته في انقاذ قوم و من ثم الانسانية جمعاء من براثن الظلم والاستعباد والجهل والانحراف عن الفطرة السليمة أستطاع أن يحقق الذي لم يكن يخطر ببال أحد من قبل؟..
أين المسلمون من هجرة رسول الله و هل بضعفهم الذي هم عليه يقبلوا بهجرة الاسلام عوض أن يهجروا الظلم و الاستعباد والانحراف و الجاهلية؟..
لو كان رسول الله قدوتنا لكان لزاما على الجميع أن يهجروا ما هجره الرسول حكاما و شعوبا و مفكرين؟..
أتمنى أن نستنبط الدروس من الهجرة النبوية من مكة الى المدينة لتحقيق النقلة نحو الحرية الحقيقية و الاجتماع الحقيقي و السياسية الحكيمة والحكم الراشد و مجتمع العدل والحقوق والأخوة والمساواة والكرامة والوحدة في الفكرة والمشروع والجغرافيا والمصير والواجب..
لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم ووجد قومه يعيشون في أوضاع تشبه الى حد بعيد الذي نعيشه اليوم كشعوب تنتمي للاسلام الذي هو في الواقع بريئ من كوارثها و مصائبها المختلفة و التي يستغلها الغرب و الصهيونية كونهم أعداء طبيعيين من جهة و يستغلها بعض الحكام والمفكرين لتشويه الاسلام على أنه سبب كل المشكلات التي نعاني منها..
اننا بقادرين أن نخرج من ربقة التلخف و التفرق و التمزق والضعف و الخصومات لو أننا أتفقنا على مشروع وحدوي صارم و حقيقي نوجد له كل الوسائل و نوفر له كل الجهود لتحقيقه على أرض الواقع مثلما جسد الأوربيون مشروع وحدتهم فمحوا الحدود و وحدوا الجيوش و العملة النقدية و السياسة و الفكر و المصير و أما نحن فخفنا و جهلنا تعاليمنا الاسلامية التي تحثنا على الوحدة التي نحن أولى بها من غيرنا رغم أنهم على قوميات مختلفة و كانت فيما بينها خصومات بل حروب لكنها لمواجهة أي تهديد من أمتنا كما يزعمون هم توحدوا و ما كانوا ليتوحدوا لو لم نكن نمثل الخطر الحقيقي بامكانية نهضتنا و وحدتنا لنصنع مجدنا الإسلامي من جديد..
فلنعتبر بهجرة محمد رسول الله من مكة الى المدينة لتأسيس المجتمع على أساس المبادئ التي دعا قومه في مكة قصد انجاز المجتمع الإنساني البني على اسس المساواة والعدل الأخوة و الحق والكرامة والايثار و التضامن الخ..
لطرش بوثلجة عمر.. الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق