السبت، 22 يناير 2022

مقال تحت عنوان{{الانحرافُ الفكرىُّ}} بقلم الكاتب السوري القدير الأستاذ{{سليمان الحمصي}}


الانحرافُ الفكرىُّ : هو مصطلحٌ يعني الخروجَ والانحرافَ عن كلِّ ما هو صحيحٌ، وسليمٌ، وسويٌّ.
ما هي الأسبابُ الَّتي جعلَتِ الإنسانَ منحرفاً فكريَّاً؟
أوَّلاً : الجهلُ أحدُ أسبابِ الانحرافِ الفكريِّ، فتجدُ قليلي المعرفةِ دائماً في شذوذٍ فكريٍّ رهيبٍ، فاللهُ خلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ، على الفطرةِ سويٌّ، ولكن الَّذي يشكِّلُ الانحرافَ الفكريَّ هو بُعدُ القلوبِ عَنِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى، وعنِ العِلمِ الالهيِّ المُلهِمِ للقلبِ والعقلِ للاستقامةِ، فتجدُ علماءَ بارعين في العلومِ الحياتيَّةِ، لكنَّهم جهلوا الحقيقةَ الأكثرَ أهمِّيةً ألا وهي معرفةُ خالقِ الكونِ، فَمَنْ جهلَ معرفةَ اللهِ سبحانَهُ عاشَ منحرفاً فكريَّاً، فكرُهُ محدودٌ مقتصرٌ على علومٍ دنيويَّةٍ مخلوقةٍ، والدَّليلُ قولُهُ تعالى : {اِهْدِنَا الصِّراطَ المُستقيمَ}
اِهْدِنا دعاءٌ ورغبةٌ مِنَ المربوبِ إلى الرَّبِّ؛ والمعنى : دُلَّنا على الصِّراطِ المستقيمِ، وأَرْشِدْنا إليه، وَأَرِنَا طريقَ هدايتِكَ الموصلةِ إلى أُنْسِكَ وقُربِكَ(ابن القيم الجوزي).
ومِنْ أسبابِ الانحرافِ الفكريِّ أيضاً : التَّعصُّبُ للرَّأيِ، وعدمِ تقبُّلِ الرَّأْيِ الآخَر، وهذا له تفصيلٌ، إنَّ اختلافَ الرَّأْيِ نعمةٌ مِنَ اللهِ؛ فهو غايةٌ للوصولِ لحقائقِ الأُمورِ؛ فالحقيقةُ لا يمكنُ الوصولُ إليها بهذه البساطةِ، لا بُدَّ مِنْ بحثٍ شاملٍ وعميقٍ، ودليلٍ عقليٍّ على أنَّ الاختلافَ نعمةٌ، بمثالٍ بسيطٍ : أنَّنا إذا أَرَدْنَا أَنْ نبحثَ عَنِ اللَّونِ البنفسجيِّ بين أقلامِ التَّلوينِ ولم نجدْهُ، وكنَّا نجهلُ تحقيقَهُ بالاستغناءِ عنِ القلمِ البنفسجيِّ، نبدأُ بالتَّفكيرِ أوَّلاً، ثمَّ نجمعُ كلَّ الأقلامِ ونبدأُ بمزجِها حتَّى يتثنَّى لنا المعرفةُ أنَّنا إذا مزَجْنا الأزرقَ معَ الأحمرِ يصبحُ بنفسجيَّاً؛ إنَّ اختلافَ الألوانِ جعلَ مِنَ الحقيقةِ مشوَّهةً تماماً، لكنَّ الباحثَ عنها باطِّلاعِهِ على جميعِ الألوانِ وتجربتِهِ وصَلَ إلى الحقيقةِ المطلوبةِ ألا وهي اللَّونُ البنفسجيُّ، أيضاً اختلافُ الرَّأْيِ أنْ تكونَ سامعاً لجميعِ الاراءِ الموافقةِ لرأيِكَ أوِ المخالفةِ، وهذا يدلُّ على قوامةِ الفِكْرِ.
إنَّ الإنصاتَ، والإنصافَ، والتَّمهُّلَ، والإدراكَ، والنَّباهةَ، هُمُ الطَّريقُ للنَّجاحِ، وكَسْبِ المعرفةِ، وزيادةِ العِلْمِ والفَهْمِ، أمَّا التَّهوُّرُ وعدمُ الادراكِ فيدلَّان على الانحرافِ الفكريِّ.
وأوَّلاً وأخيراً : إنَّ الطَّريقَ الوحيدَ لسلامةِ الفِكْرِ هو القربُ مِنَ اللهِ ومعرفتُهُ؛ فَمَنْ عرفَ ربَّهُ، عرَّفَهُ بآياتِهِ ومخلوقاتِهِ، فيكونَ الدَّافعَ الأوَّلَ له، بالتَّفكيرِ بعظمةِ الخالقِ سبحانه وتعالى، أيضاً لكلِّ شيءٍ حكمةٌ، ولكلِّ شيءٍ سببٌ، والدَّليلُ قولُه تعالى :{وَيَسۡئلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا  فَأَتۡبَعَ سَبَبًا }.
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ في قولهِ : {فَأَتْبَعَ سَبَبَا}، قال : عِلْمَاً، فلكلِّ شيءٍ سببٌ، ولكلِّ شيءٍ عِلْمٌ.
أيضاً استخدامُكَ للعقلِ بالشَّكلِ الَّذي نَشَأَكَ اللهُ عليه، والمحبَّةُ وصفاءُ النِّيَّةِ يجعلان منكَ شخصاً مخلصاً محافظاً على أفكارِهِ السَّليمةِ، وأهدافِهِ النَّبيلةِ، شخصٌ طموحٌ مجتهدٌ لكلِّ عِلْمٍ، لهُ منه نصيبُ.
هذا واللهُ أَعلَمُ.
بقلم سليمان الحمصي 

٢٢/ ١ /٢٠٢٢ 

ليست هناك تعليقات: