أبجدية المساء
بقلم: عائشة ساكري – تونس
9 ماي 2025
للمساء حديثٌ لا يشبه سواه...
هو لغة لا يُجيدها إلا من عانق الحنين،
وتهجّى الحرف على نوافذ الوحدة،
هو وشوشة دافئة،
تعبر الروح حين يخيّم السكون،
ويغدو الصمت موطناً للشعراء والعاشقين.
في المساء،
تتفتح أسرار الحرف كما تتفتح الزهور عند أول الندى،
ولا يُباح القول إلا في حضرة ذلك البهاء الرفيع،
حيث تكتب الأرواح نصوصها لا بالحبر،
بل بما تقطره من أنين دفين،
ونبضٍ يشبه التنهيدة الأخيرة بعد شوقٍ طويل.
وإن خفتَ نوره فينا،
فإنّا نغزل من وهج الذكرى خيوطًا من بوح،
وننحت أبجديتنا من ندى المشاعر،
نعتصر من وجعنا قطوفاً دانية،
ونسقي حدائق اللغة بما يفيض في القلب
من بقايا الطيب والعطر القديم.
نحن أبناء المساء،
نُتقن السكون حين يعجز غيرنا عن النُطق،
نُمسك بتلابيب الضوء الهارب،
ونحوّل عتمة اللحظة إلى إشراقٍ داخليّ،
يزهر الكلم فيه لمن يعرف كيف يُصغي،
ويفهم كيف يكتب بجناح الروح، لا بالقلم فقط.
للمساء أبجدية لا تُدرّس،
إنما تُرتَشف كما يُرتشف الحب الأول،
بامتنانٍ عميق لكل ما لم يُقال...
ولمن للحرف نبضًا، وللجمال انتماءً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق