الأربعاء، 27 أغسطس 2025

نص نثري تحت عنوان{{من وحي قنديل}} بقلم الكاتبة اللبنانية القديرة الأستاذة{{لينا ناصر}}


من وحي قنديل..

من عبق المساءات العتيقة
من ذلك الزمن الذي كان ينساب ببطءٍ كجدول ماء صافي  يحمل في تفاصيله هيبة لا تتكرر وبساطة تُشبه براءة البدايات... 
زمن كان يُصنع فيه الفرح من أشياء صغيرة، ويُخزن فيه الدفء في القلوب لا في الجدران...
كانت الأمسيات تحلّ على ضوء قنديل خافت، تلمع زجاجته بشحوب رقيق، كأنها تعكس خفقات الأرواح المطمئنة فتصير البيوت أوطانًا صغيرة للسكينة...
وحين يهبط الليل ساكنا ، تتسلل الحكايات من شرفات الجيران، تمتدّ كخيوط ضوءٍ أخرى تربط بين قلبٍ وقلب...
ثم تأتي الصباحات،
 نديّة كوجه طفل، يفيض عبقها من رائحة الخبز الطازج ، وصوت العصافير وهي تزاحم ضجيج المواعيد الأولى... 
كان للنهار طقوسه: نساء الحي يجتمعن عند أول ارتشافة قهوة، يتعازمن ويضحكن، 
فيغدو الحي كله بيتًا واحدًا كبيرًا... بيتًا تملأه الألفة قبل أن تملأه الجدران...
هناك، في تلك التفاصيل الصغيرة، كان يكمن سر الزمن الجميل..
 في البساطة التي نفتقدها اليوم.. في دفء العلاقات التي لم تعرف بعد برودة الغربة...
 في قلوب الناس التي كانت تضيف للحياة نكهةً أصفى من كل ترفٍ حديث...
وهكذا يبقى ذلك الزمن الجميل حاضرا في الذاكرة..
 لا كذكرى عابرة، بل كجذورٍ ضاربة في عمق الروح. نعود إليه كلما أثقلنا صخب العصر..
 فنستعيد من قناديله الخافتة نورًا يضيء حنيننا..
 ومن قهوته الصباحية دفئًا يسكّن وحشتنا...
 فما أغلى تلك التفاصيل التي علمتنا أن الحياة ليست بما نملك، بل بمن نُرافق، وبما يتركه فينا ضوء أمسية قديمة أو صدفة تعيدنا صغارا حول الموقد نستمع لحكايات جدي..

لينا ناصر 

ليست هناك تعليقات: