الجمعة، 28 نوفمبر 2025

قصة تحت عنوان{{الأكثر تداولًا}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسير المغاصبه}}


الأكثر تداولًا
قصة قصيرة

ما أن التقط سمعه الخفيف أصوات ضحكات الفتيات المراهقات حتى شعر بالحنين إليها. فولج إلى حديقة عامة وارفة الظلال ليجلس متهالكًا على مقعد بين أغصان الأشجار، وقد أخذ منه الكِبر والوهن مأخذه، وقد شعر في تلك اللحظة بأن عمره قد ازداد عشرات السنين.

كنَّ ثلاث فتيات يضحكن ويتوشوَشْن، عندما رأته أكبرهن قالت لهن هامسة بخبث:
– صدقت… سوف تكون الصورة هي الأكثر تداولًا على جميع وسائل التواصل… آه ليتني لم أنسَ موبايلي في البيت!
قالت الفتاة الوسطى:
– يا للحظ السيئ، وأنا أيضًا تركت هاتفي في المنزل لنفاد رصيده!
– مجنونة.
ردت الكبرى، ثم قالت موجهة كلامها للصغرى مبتكرة الفكرة الشيطانية:
– أتستطيعين فعلها؟
ردت بثقة:
– أنت تعلمين بأني أستطيع.
فقالت الكبرى بحماس:
– ههههههه حسنًا، أعطني موبايلك واذهبي إليه، بينما أنا سألتقط لكما أروع صورة، وأنا أؤكد لك بأنها ستحصد آلاف الإعجابات، وسنختار لها عنوانًا مناسبًا… "العجوز المغرم"، لا… "الشايب ال……"، أو… أو "المراهق العجوز"؟

اقتربت الفتاة الصغرى من الرجل الستيني وقالت له بغنجٍ مفتعل:
– ممكن عمو أن تقف؟
نظر الرجل إليها متأملًا ثيابها، حيث كانت ترتدي ثيابًا منتقاة بحرص شديد كي تناسب آخر صرعات الموضة: سروال ضيق يبرز مفاتنها، وبلوزة صيفية خفيفة لا تكاد تستر نهديها. لقد كانت بعمر ابنته لولا ثيابها غير اللائقة.
لم يتمكن من سماع ضحكات صاحبتيها القريبتين منهما بسبب ما أصابه من وهن وضعف سمع، قال:
– أتريدين شيئًا يا "عمو"؟
– لا، لكن أرجو أن تقف قليلًا يا عمو.
عندما وقف الرجل اقتربت الفتاة منه وقالت:
– ممكن آخذ معك صورة؟
احتضنته قبل أن تسمع رده، وأراحت رأسها على صدره، وقالت:
– والآن، هلا احتضنتني يا عمو؟
ابتسم الرجل وقال بحنو:
– هههه، الله يحفظك لأهلك يا عمو.
وبتردد أحاط كتفها بذراعٍ واحدة مرتعشة، ثم افتعلت هي حركة عشق تمثيلية محاولة أن تبدو فيها مناسبة للصورة… كعجوز عاشق للصغيرات بعمر بناته.
في تلك اللحظة التقطت صاحبتها الصورة بإتقان.

أما هي فقالت وهي تستدير مبتعدة:
– شكرًا إلك يا عمو… ههههههه ستصبح عجوزًا مشهورًا!
لم يكن الرجل يعلم شيئًا عن ذلك العالم الذي اقتحم سكينته ولم يحترم شيخوخته، وقال بحسن نية:
– حفظكِ الله يا ابنتي.
لكن في تلك اللحظة شعرت الفتاة بعدة مشاعر متضاربة، خصوصًا بعد أن شعرت بحرارة أنفاسه، وخفقات قلبه الضعيفة، وارتعاشة يديه، ونظراته الحزينة.

أخرجتها من شرودها صاحبتها الكبيرة بقولها:
– بما أننا لا نحمل هواتفنا، لا تنسي أن ترسلي لنا الصورة حتى نتمكن نحن من نشرها أيضًا، كلٌّ على طريقتها.
قالت الفتاة الوسطى:
– أنا سأضع لها عنوان: "الشايب المنحرف".
قالت الكبرى:
– أما أنا فسوف أضع لها عنوان: "العجوز المهووس بالفتيات الصغيرات".
كانت الفتاة الصغرى صاحبة الموبايل لا تزال صامتة، وهي تشعر بتأنيب الضمير، ولا تزال تنظر من بعيد إلى الرجل العجوز الذي كان يتابعها بالنظرات، فلم تستطع إيجاد أي تفسير لنظراته.
لكنها تركت صاحبتيها ورجعت إليه، وعندما وصلت إليه رأت الدموع تنهمر من عينيه وقالت متسائلة:
– ما بك يا عمو… ما الذي يحزنك؟
رد الرجل وهو يمسح دموعه:
– أنا الآن أصبحت بخير بعد أن رأيت ابنتي بك… لقد جعلتِني أحتضن ابنتي ووحيدتي التي تزوجت أمس، وأصبحت في منزل زوجها خلف الجبال البعيدة… والبحار… سافرت معه. رجل غير أبيها الذي يحبها أكثر من أي رجل آخر. لقد افتقدتُ عناقها لي، وقبلتها في كل صباح… يا إلهي لقد كانت الأنفاس ذاتها… الرائحة ذاتها… حفظكِ الله لأبيك يا ابنتي… أشكرك على ذلك الشعور الجميل الذي منحتِني إياه.
عند ذلك انهمرت دموعها وقبّلته على رأسه، وهي ترى فيه في تلك اللحظة أباها الذي فقدته العام الفائت. كان يقول لها دائمًا كلما خرجت مع صديقاتها: "لقد أعطيتك الثقة يا ابنتي العزيزة… الله لا يحرمني منك… اذهبي في رعاية الله وحفظه".
ثم قالت:
– أعتذر لك يا أبي… أعتذر.
– والآن، هاتِ يدك، ساعديني على الوقوف لأعود إلى بيتي… آه لقد كبرت كثيرًا.
أمسكت يده لتساعده على النهوض، وعندما نهض الرجل العجوز قال لها:
– والآن أتركك في رعاية الله وحفظه يا ابنتي الغالية.
ثم تركها وغادر بخطوات أكثر بطئًا.
عند ذلك ترقرقت عيناها بالدموع وهي تضيء شاشتها وتقوم بحذف الصورة من جهازها.

يدب شجار بين الفتيات لم يسمعه الرجل العجوز بسبب ضعف سمعه:
– لماذا حذفتِ الصورة يا………

تيسير المغاصبه 

ليست هناك تعليقات: