(في عتمة الحافلة )
سلسلة قصصية
"الموسم الرابع"
٢٠٢٣
-------------------------------------------------------
لاقيود في الحب
-١-
خبر جميل الذي زفه إلي صديقي حسن وهو أنه قد توظف سائق حافلة في شركة العقاب للسفريات من وإلى العقبة ،وأن رحلتي لهذا الصيف سوف تكون على متن حافلته المسائية.
لكنه قال مؤكدا أن محطة المسافرين الأخيرة لن تكون في العقبة وإنما إلى المنتجع السياحي في البحر الميت ؛وإنا بعد ذلك سنتابع الرحلة إلى العقبة وحدنا .
ثم أكد علي أيضا :
-لكنك لن تتمكن من الجلوس معي في غرفة القيادة ياصديقي ؟
-ولماذا .
-لأن صديقتي المظيفة ستكون إلى جانبي ملازمة لي خلال الرحلة هههههه أرجو عدم إزعاجنا ؟
-تمام.
-بأمكانك أن تمضي وقتك كالأمير في حافلة مكونة من طابقين ..وإن أردت تستطيع النوم دون أن يزعجك أحد؟
-أفهم ذلك.
-لكن سننزل في الاستراحة هههه حيث سأعزم صديقتي على العشاء ،
أما أنت فعليك إختيار المكان الذي يروقك لتجلس فيه وتتناول عشاءك ومن ثم نتابع الرحلة ؟
* * * * * * * * * * *
لقد كانت فرصة لي لأخذ عودي معي ،وهو صديقي الأكثر وفاء لي ..عسى أن يهبط علي وحي الألحان وإن لم أنجح في ذلك بأمكاني أن أقرأ في الكتاب القديم المهترىء الصفحات الذي أعارني إياه صديقي مأمون والذي قال لي:
"إن لم تكن تجرؤ على قراءة هذا النوع من الكتب
فأنا لاأنصحك بقراءته خصوصا إن كنت وحدك في الظلام فأن عند قراءة بعض الصفحات الأخيرة من الكتاب سيحدث أمور عجيبة وقد يصبح الكتاب خطيرا إن لم تحسن التعامل معه "
بلا شك هو يحب هذا النوع من الكتب لدرجة الهوس وهو لايقل عن هوس صديقي حسن بالنساء ههههههه
ضحكت ساخرا وقلت:
-يالهي ههههههه ؟
-أراك لازلت تستهين به ياصديقي ،لكن أنا فعلت مايتوجب علي فعله .
* * * * * * * * * *
إذا لايوجد معي في رحلة طويلة سيكون مسارها هذه المرة من الأغوار الجنوبية ومن ثم التوجه طرانزيت إلى العقبة؛ سوى عودي الحبيب و خزعبلات كتاب كتاب صديقي القديم ،هذا شيء رائع جدا ..رائع حقا.
وصلت إلى مكتب شركة العقاب في مساء يوم الجمعة وقد تأخرت قليلا أثناء قدومي بسبب سوء المواصلات،كان صديقي حسن في إنتظاري وإلى جانبه فتاته الجميلة والتي تستحق وبلا مبالغة كل ذلك الاهتمام..صافحني وقال ممازحا بسبب تأخري فقط لدقائق معدودة:
-أهلا وسهلا ..شرفت يا أستاذ؟
-والله كان سوء المواصلات ياصديقي .
إبتسمت الفتاة ذات الجمال والصوت المثير وقالت مرحبةبأعجاب لم تخفيه:
-أسعد الله مساك .
رديت وقد سحرني جمالها وصوتها الغير مصطنع:
-ومساؤك آنستي الجميلة .
قال حسن ممازحا وهو كله ثقة بنفسه :
-لاتتقرب من صديقتي أيها الفنان ..ياصاحب القلب الكبير والذي يتسع لجميع نساء الأرض ههههههه؟
"وأن سبب قوله هذا لأنه يوجد معتقد شائع بأن الفنان لايؤمن جانبه على زوجات الأخرين "
وفي الحقيقة أن إبتسامتها الجميلة قد أوحت إلي بلحن جميل على الفور.
صعدت إلى الحافلة..جلست على مقعد فارغ بين مقاعد كانت ممتلئة بالمسافرين الأوروبيين المتجهين إلى المنتجع السياحي في البحر الميت .
احتضنت عودي وانطلقت الحافلة بيوم قائظ في طرقات ستصبح بعد قليل كالمحماس.
بقيت أتأمل الطريق بينما كنت أصل سماعات الأذن وأسمع الموسيقى وأنا كلي شوق إلى لحظة نزول هؤلاء المسافرين كي أبقى وحدي ..أنا وعودي فقط .
بعد ساعة ونصف الساعة تقريبا توقفت الحافلة أمام المنتجع السياحي ..نزل منها جميع المسافرين، ومن ثم إنطلقت الحافلة من جديد .
نهضت ..تجولت في الحافلة كي امنح ساقي بعض الراحة من الخدر الذي أصابها بسبب الجلوس الطويل ،فأخترت لي مقعدا في الوسط بالطابق الثاني ،أمسكت عودي وعزفت معزوفتي الجديدة والتي الهمتني بها تلك الفتاة؛ رفيقة صديقي حسن وقد إخترت لها عنوان "صوتك سحرني ".
بعد ذلك حفزني الظلام في الخارج على فتح الكتاب القديم المهترىء لتصفح بعض أوراقه لأرى تلك الخزعبلات والأكاذيب المهووس بها صديقي مأمون "ويرجع ذلك لما أشعر به من تناقضات الوحدة وللصدفة قرأت بعض الصفحات الأخيرة في الكتاب "
بعد مسيرة ساعة توقفت الحافلة قرب إستراحة في الصحراء فبدت كجزيرة صغيرة في وسط البحر،
أطل علي صديقي حسن وقال لي:
-هيا ياصديقي..كما أخبرتك نحن سنجلس وحدنا، وبأمكانك أن تختر لك المكان الذي يروقك للجلوس فيه وتتناول عشائك؟
قلت ممازحا وأنا أرفع يدي إلى السماء بطريقة تمثيلية :
-تهنى ياصديقي..الله يطعمنا مااطعمك .
نزلنا من الحافلة ..اصطحب صديقي رفيقته وتوجها إلى قسم العائلات وإختارا لهما طاولة بعيدة منزوية عن الناس ، أما أنا فلم يرق لي سوى الجلوس بعيدا عن الناس ،فرأيت من بعيد مكان جميل مفروش بالبسط والوسائد حيث كانت "القعدة أرضية" على الطريقة العربية ،وعرفت أنه مخصص للوافدين الخليجيين لكنه لم يكن مشغولا،
قلت للنادل :
-أأستطيع الجلوس هناك وحدي؟
تردد النادل ،لكن عندما أخرجت من جيبي ورقتين من فئة الدينار قال :
-حسنا تستطيع الجلوس لكن في حال حضور سياح خليجييون عليك أن تترك المكان لأنه مخصص لهم ..لأن ذلك سيسبب لي مشاكل مع مالك الاستراحة وربما أتعرض للطرد ياسيدي.
-كن مطمئنا ياعزيزي..الف شكر؟
-أشكرك ياسيدي.
طلبت طعام العشاء وجلست أدندن على عودي مستمتعا بالنسمات الصحراوية.
* * * * * * * * * * *
لحظات ورأيت شبح تبين أنه لفتاة قادمة من إتجاه الحافلة ،عندما وصلت إلي بهرت بجمالها، لقد كانت على قدر كبير من الحسن والجمال ..وقفت أمامي قليلا دون أن تتحدث ؛ حتى أنا لزمت الصمت إنبهارا وضعفا أمام جمالها الساحر، لأنه من ذلك الجمال الذي نقف أمامه باحترام وضعف دون أن نتكلم
حقا كان جمالها من النوع الغريب ،وأنا كم أعشق هذا النوع من الجمال ..الجمال الغير مكرر ..الجمال النادر ..رموشها الطويلة التي لم تكن مستعارة كانت تكاد أن تصل إلى أذنيها، كانت ترتدي كامل زينتها ،كان شعرها الطويل جدا والذي يكاد أن يلامس الأرض ،قد لونت خصلاته بعدة ألوان كالبنفسجي ،والزهري والذهبي ،
وأظافرها الطويلة بشكل لافت والمطلية باللون الأحمر اللامع، إبتسمت إبتسامة ساحرة تسلب العقول ؛ قلت في نفسي أين أنت يارفيقة صديقي حسن من هذا الجمال الساحر.
بلا شك أن الله قد استجاب لي ..أبدا لايوجد أي وجه للمقارنة ،أخيرا قالت:
-أسعد الله مساؤك؟
-مساء الجمال ياعزيزتي ..أشرقت الأنوار ..لقد أنرت تلك الليلة الظلماء.
-لقد جذبني صوت عودك الذي يجعل الصخر يلين؟
-حقا ..تفضلي بالجلوس وسأعزف لك وأغني حتى الصباح.
جلست فكان فستانها المفتوح من كلا الجانبين أشبه بفساتين النجمات العالميات والذي لم يكتفي بجمالها الساحر بل كان يظهر مفاتنها
للملأ بلا رحمة بالقوب الضعيفة .
لم أتنبه إلى أن المكان قد إمتلأ بالنساء والأطفال والغلمان والرجال ،بل ومعهم قططهم وكلابهم.
لم يكونوا خليجييون ،بل ربما أن السماء قد فتحت أبوابها وأرسلتهم إلي وبالتالي لتأخذني إلى جنة على الأرض.
فأن ثيابهم وشعورهم ووجوه أطفالهم كل ذلك جعلني أشعر كما وأني بداخل مشهد من فلم سينمائي استعراضي كلف ملايين الدنانير .
ثم جلست وامسكت عودي وبدأت بالعزف والغناء بينما الجميع يشاركونني الغناء والرقص والعزف على إيقاعاتهم وآلاتهم الموسيقية الغريبة ،المبهرة ،وكان الأطفال أيضا يرقصون في كل مكان طربا وفرحا.
* * * * * * * * * * * *
طفل في السادسة من عمره ،كان رائع الجمال ..شعره كالحرير وكان مستلقيا إلى جانبي، مريحا رأسه فوق ركبتي مستمتعا بالغناء طوال السهرة فحاولت ألا أزعجه أبدا برفعه وإجلاسه، وكان أحيانا يعيق إمساكي بعودي،فكنت كلما استرحت بين الوصلات أنحني إلى هذا الملاك فأمنحه قبلة على وجنته وأمسح على شعره بحنو .
في غمرت فرحي بتلك السهرة نسيت حتى أن اتناول طعامي الذي برد واستغنيت عنه لأن سعادتي قد أشعرتني بالشبع.
* * * * * * * * * * * *
طفلة أخرى كانت تقف ورائي تحيط عنقي بذراعيها ..وحين تمسح على شعري وحين أخر تلعب بأذني كما وأنها مندهشة منها.
بعد السهرة
أشرت لفتاتي بأن تقترب مني قليلا لأخبرها شيئا ..عندما مالت إلي وقد إزدادت فتنة وجمالا، سألتها:
-ماأسمك ياعزيزتي ؟
-اسمي شهرزاد .
-حقا اسم يليق بك ياجميلتي؟
-أأعجبك اسمي.
-بالطبع ..أأستطيع أن أكلمك على إنفراد.
-نعم تستطيع .
وضعت عودي جانبا ..أسندت الطفل الذي كان قد غفي على ركبتي مستغرق في نوم عميق،أرحت رأسه على الفراش ليكمل نومه ،نهضت ومشيت مع شهرزاد ،
عندما ابتعدنا عن الجميع أمسكت بيدها التي كانت في نعومتها أشد من نعومة الحرير وقلت :
-اتمانعين ذلك ؟
-لا.
ثم بادرتها ودون أن أضع أي مقدمات :
-لن أسألك أي سؤال أخر بعد أن سألتك عن اسمك ..لكني أحببتك واطلب يدك للزواج .. اتقبلين.
(يتبع....)
تيسيرالمغاصبه
١٠-٧-٢٠٢٣