الجزء الرابع والأخير ( لن………… )
لن تنتحر الشمس عند الغروب…
لن ينحني النخيل قهرا…
لن تنهار الرواسي مهما عصفت
العوابر…
بكاء الورد… وابلا يسقيها
لتزهر من جديد…
في عروق إبتسامة طفلة…
سلاح لا يهاب الموت… في حب الحياة…
بشرف…
فبعد مضي ثلاثة شهور
من الإنفجار…
لم تزل هي تأتي للمكتبة…
كل يوم… لعلها تراه…
تجلس بصحبة… فنجانها…
مع كتاب… دون أن تقرأه…
فرؤيته… تذكرها بجليس تلك الزاوية…
يتعتم كل شيء… إلا طيفه…
تبتسم… لو تلمست معصم… يدها…
يقطر دمعها… بقهوتها…
ترتشفها… بمذاق شوق…
قد لا ينتهي…
لكن… قررت يوما… أن لا تأتي هنا ثانية…
فالمكان… أصبح كنيسة مهجورة…
قارئه… بات صدى صوته…
يمزق كل الكتب…
أو أنها… قد خلت من الحروف…
وألوانها… ظلال… بلا نور…
قبل أن تخرج…
أعطت صاحب المكتبة…
رسالة… وصورة وجه ذلك الشاب…
كانت قد رسمتها يوما…
خيط أمل… أبت أن لا ينقطع…
- لو سمحت… هلا أعطيت هذه الرسالة…
لصاحب الصورة هذه لو أتى هنا…
- حسنا سيدتي… أعرف هذا الرجل… فعلا له مدة لم يأت
- أعلم ذلك… وأشكرك على كل شيء
- عفوا سيدتي… لا عليك كوني بخير… وعاودي لنا…
- لا أعتقد… مع السلامة أخي…
خرجت… كما لو أنها أنتزعت من ثقب إبرة…
وروحها تتشبث عالقة… بجدار المكتبة…
صخب الحنين… إبتدأ من هنا… صارخا…
يهز أطرافها راجفة…
ودموعها… ألوان جديدة… لم تعرفها مسبقا
كل لوحاتها…
المشفى…
بعد خروجه من غيبوبة… كان حبيس جدرانها…
دخل في… موجات الوجع…
فالألم… يستصرخه لوعة…
للقاء جديد…
مناديا… لهفا…
أحبهاااااااااا
وها… قد حانت ليلة… خروجه…
يترقب قدوم… الفجر…
ليعتلي… بساط شوقه… إليها…
كان… رفيقه قربه…
يقلب معه… كل القصائد…
التي كتبها لها… قائلا له…
- رفيقي… إقرأ هذه… مارأيك
هل ستعجبها…
أو هذه… كنت قد وصفتها هنا… أو هذه
أو… أو………
رفيقه…
يناظر… ساقيه المقطوعتين…
ويتألم له… وهو هكذا لهفا لرؤياها…
فرحا… بما كتب لها…
رادا عليه…
- لو كانت هناك يا صديقي… لو كانت…
ناظره بحدة… وقده من ردائه إليه…
- ماذا قلت…
- تمهل أخي… لا زلت متعبا… لم أقصد…
تركه…
إتكأ على وسادته… مناظرا من خلف الزجاج…
البدر المكتمل… هامسا له
- أيا بدرا عقيما مهما زدت ضياءا
يتيم الليل أنت بلا سيدة السماء
نهارا…
هي… في معرض رسومها…
المكان… يضج بالرسامين… والفنانين… وغيرهم…
أحدهم… كان يتناقش معها…
على تفاصيل لوحة… من لوحاتها…
- سيدتي… أراها حكاية… لم تكتمل…
أخذت هي تتأملها… تلامسها بأصابعها…
قائلة…
- قد تكتمل يوما…
تعجب لتصرفها… وردها ..رادا
- كيف ذلك… وأنت جعلتي ألوانها…
مزيجا غارقا… في بحر البؤس…
ردت… بوجه يبتسم…
- إن غرقنا في بحر البؤس… حينها فقط…
نعرف ألوان التفاؤل… لننتقي… أصدافا…
بريق لآلئها أملا… ضياء… لا ينضب…
حسناء تلك… السيدة…
تفتن كل… من ناظرها…
الكثيرون… من أصدقائها… رسامون…
شعراء… أدباء… ودوا وتمنوا… أن يمتلكون… قلبها…
لكنها… لم تشهد… حلم أنثاها… وسحر فاتن… أنوثتها…
إلا… مع ذلك… المختلف…
هو…
بالقرب… من باب المشفى…
مع رفيقه… ركبا سيارة أجرة…
رفيقه يسأله …
- نذهب للبيت اولا… ?
- لا………… بل لها…… للمكتبة
قالها كمغترب عائد… لوطنه…
فعينيها… إنتماءه الوحيد…
وصلا…
ترجل… متكئا… على عكازيه…
محدثا رفيقه…
- إذهب أنت…
- ولكن… !
- لا عليك….. أريد لقاءها وحدي…
دخل للمكتبة… متلفتا…
لم… يجدها…
الشوق في… أنفاسه… يتصاعد…
والبريق الفاضح… بعينيه… لرؤياها…
يتخافت…
صاحب المكتبة…
رآه… مندهشا… !!!
ناداه…
- صاحبنا… حمدا لله على سلامتك… أهلا بعودتك بيننا هنا…
إحتضنه مبتسما… لم يود أن يشعره… بما فيه…
أحس هو بأنه يتعاطف… معه…
رد عليه… مكابرا… على ألمه…
- شكرا لك… أتيت أسألك…
عن سيدة… كانت تجلس… هناك… قرب النافذة…
تذكرها…
- نعم أذكرها… إنها لم تأت… منذ أسبوع… أو أكثر…
رد عليه رافعا صوته…
- كيف……… ? أين ذهبت… ? قل لي أين تسكن هي… ?
هل هناك مكتبة أخرى تذهب لها… ?
تحدث… لم سكت… .
- على رسلك سيدي… أنا لا أعرفها… سوى هنا فقط…
لكن لحظة… تذكرت…
قبل غيابها… تركت لك رسالة…
كنت قد… عرفتك من صورة رسمتها هي لك…
- رسالة…!! صورة… !!
تراقص الفرح… بعينيه مجددا…
كطفل مبتهج بالعيد… كأنما…
أعطاه… الرسالة…
أركز… عكازتيه بإبطيه…
أخذها… شمها… ضمها… لصدره…
فتحها… يرتجف شوقا…
لم يكتب فيها… سوى عنوان…
و ( أنا سأكون هناك متى تأتي ستجدني )…
خرج… دون أن يشكر… الرجل…
كأن الأرض… لا تحمله…
متناسيا… مافيه حتى…
صاحب المكتبة… خرج خلفه… مودعا…
- حظا موفقا… سيدي… هههههه مجنون وعاشقة…
إستقل… سيارة أجرة… منطلقا…
إلى العنوان…
وصل…
إذ به… معرضا للرسم…
وقف بالقرب… من بابه…
لعله يلمحها…
أخرج… من جيبه… كل قصائده…
ود أن… يختار… واحدة…
ليلقيها… أمامها…
في هذه الأثناء…
كانت هي… برفقة صديقها…
تريد توديعه…
خرجا من القاعة… إلى الباب…
حتى…… رآها…
كاد قلبه… يكسر… أضلعه… إليها فزعا…
دون شعور… أدمعت عينا… هذا المكابر…
حالما وضعت… يدها… بيد صديقها…
وتبتسم له…
بدأ يناظر… كل من يدخل… ويخرج… هنا
الكل… من الطبقات… البرجوازية…
إلتفت لحاله… ولساقيه… المبتورتين…
قائلا غاضبا…
- فهمتها الآن… تريد الإنتقام فقط… لما فعلته بها…
رجعت هي إلى… قاعة المعرض…
لحقها على عكازيه… مسرعا هاتفا…
- قفي… قفي…
لم تسمعه… حتى دخل للقاعة…
صدمه مارآه…
توقف… بلا صوت…
فكل اللوحات… كانت… شخصه…
جلسته… كتابه… قهوته … ألوان ثيابه…
وقفته… ضحكته…
كل ماتحكيه الألوان… هو…
رمى… بقصائده… خلفه…
إرتعد…
فما شاهده… دويه… أشد وقعا… على نفسه…
من الإنفجار… بذاته…
أحس… وللمرة الأولى… أنه غلب…
سقطت عكازيه…
فخر… على ركبتيه… الجزأين المتبقين
فقط… من ساقيه…
الكل… يسأل… ويناظره بإستغراب
- من هذا…… ?
هي… كانت أمامه تماما…
إلتفت… رأته
بصوت… مرتعش… بين شفتيها…
- أنت…
تذكرت… لوحتها الأولى… له…
نفسه… الثوب الأسود… الذي ترتديه الآن…
ولكن… ركوعه أمامها… بلا ساقين…
بجنون عاشقة… أرقها طول… الإنتظار…
جثت… على الأرض… كهو… لتساويه…
نحوه… تخطو… بركبتيها…
ودموعهما… كنهرين… يتعانقا…
إرتمت… على صدره…
حضنها… بقوة…
قالت…
- حبيبي… أنت لوحتي…
حسرة قالها…
- لن تكتمل…
;
أنا وحرفي توأمان