بَناتٌ بِرَسْمِ البَيْعِ
بثلم الأديبة : عبير محمود أَبو عيد. فلسطين - القدس.
هُنَّ أَرْبَعُ بَناتٍ عِشنَ طُفولَتَهُنَّ وَمُراهَقَتَهُنَّ في بَيْتِ العَذابِ؛ فَلا دِراسَةَ وَلا لَعِبَ مِثْلَ بَقِيَّةِ البَناتِ في جيلِهِنَّ. هُنَّ : هِبَةُ وَسَماهِرُ وَمُنْيَةُ وَنورُ.
سَأَبْدَاُ بِالتَّحَدُثِ عَنْ هِبَةَ؛ فَهِيَ تَسْكُنُ مَعَ أَبَوَيها وَإِخوَتِها الخَمْسَةِ في بَيْتٍ كَبيرٍ مُقابِلَ بَيتِنا. كُنْتُ أَنْتَظِرُ هِبَةَ السّاعَةَ السّابِعَةَ صَباحًا لِنَذْهَبَ إِلى المَدْرَسَةِ سَوِيًّا. وَكُنّا نَسْلُكُ الطَّريقَ الطَّويلَ، حَيْثُ تَشتَري كُلُّ واحِدَةٍ مِنّا رَغيفَ الفَلافِلِ مَعَ الحُمُّصِ وَشَرائِحِ الخِيارِ وَالبَندورَةِ وَالمُخَلَّلِ، وَيَجِبُ أَنْ نَشْتَرِيَ مَعَهُ قِنّينَةَ الكوكا كولا. نَأْكُلُ الرَّغيفَ بِشَهِيَّةٍ وَنَتَحَدَّثُ الحِكاياتِ الشَّيِّقَةِ. تَصِلُ هِبَةُ إِلى باب مَدْرَسَتِها، فَتَنْتَهي رِحلَةُ الحَديثِ، وَأَذْهَبُ في طَريقي إِلى مَدْرَسَتي.
وَاستَمَرَّتْ رِحلَةُ الشِّراءِ يَومِيًّا عَدا يَومَيِّ الجُمُعَةِ وَالأَحَدِ؛ فَفيهِما تُعَطِّلُ المَدارِسُ.
وَذاتَ يَوْمٍ، نَزَلْتُ السّاعَةَ السّابِعَةَ صَباحًا أَنْتَظِرُ صَديقَتي وَأُختي هِبَةَ، وَلَكِنَّها لَمْ تَأْتِ. قُلْتُ قي نَفسي : رُبَّما تَأَخَّرَتْ في النَّوْمِ، سَأَنْتَظِرُ قَليلًا.
- السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا خالَتي أُمُّ سامِحٍ. أَيْنَ هِيَ هِبَةُ؟ وَلِماذا تَأَخَّرَتْ عَلَيَّ؟ هَلْ هِيَ مَريضَةٌ لا سَمَحَ اللهُ؟
- اسمَعي يا رَفيفُ، اذْهَبي مِنْ هُنا في الحالِ وَدَعي ابنَتي هِبَةَ وَشَأْنَها. وَأَتَمَنّى أَنْ تَبتَعِدي عَنْ طَريقِ هِبَةَ وَلا تَأْتي إِلى هُنا. هَلْ فَهِمْتِ؟
وَكانَ وَقْعُ كَلامِ أُمِّ سامِحٍ عَلَيَّ مِثْلَ سِكّينٍ غُرِسَ في قَلبي. رَجَعْتُ إِلى مَدخَلِ عِمارَتِنا وَالدُّموعُ تَنْسَكِبُ مِنْ عُيوني. صَعِدْتُ إِلى البَيْتِ وَأَنا في حالَةٍ يُرثى لَها. حَكَيْتُ لِوالِدايَ ماذا جَرى مَعي بِالتَّفصيلِ.
- أُمّي، أَبي، لِماذا تَكَلَّمَتْ مَعي الخالَةُ أُمُّ سامِحٍ بِهذِهِ الطَّريقَةِ؟ هَلْ أَنا بِلا أَخْلاقٍ فَأُفسِدُ أَخلاقَ صَديقَتي هِبَةُ؟
- كَلّا يا ابنَتي يا رَفيفُ، فَأَنا وَوالِدُكِ قُمنا بِتَرْبِيَتِكِ التَّربِيَةَ الصَّحيحَةَ عَلى أَكمَلِ وَجهٍ. البُيوتُ أَسرارٌ يا رَفيفُ, فَرُبَّما هُناكَ مُشْكِلَةٌ في بَيْتِ هِبَةَ نَحنُ لا نَعرِفَها.
وَبَعْدَ أَقَلَّ مِنْ أُسبوعٍ، سَمِعْتُ الزَّغاريدَ تَأْتي مِنْ بَيتِ هِبَةَ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ تَمَّ خِطبَتُها عَلى ابنِ عَمَّتِها المُغتَرِبِ في السُّويدِ.
- أَبي، سَيَتِمُّ عُرْسُ هِبَةَ بَعْدَ أُسبوعٍ وَأَنا حَزينَةٌ مِنْ أَجلِها. إِنَّها فَتاةٌ مُجتَهِدَةٌ في دُروسِها وَما زالَتْ في الصَّفِ الثّامِنِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ تَزويجُها في هذا السِّنِّ المُبَكِّرِ يا والِدي؟
- يا ابنَتي يا رَفيفُ، هُناكَ أَهالي يَعتَقِدونَ بِالمَثَلِ العامِيِّ الّذي يَقولُ : "جيزة البنت سُترِتها"، وَكَأَنَّهُمْ يَقولونَ أَنَّ الّتي لا تَتَزَوَّجُ تَجْلِبُ الفَضيحَةَ لِأَهلِها.
وَعَلِمْتُ بَعْدَ حَوالي الشَّهْرِ، أَنَّهُ قَدْ تَمَّ طَلاقُ هِبَةَ مِنِ ابنِ عَمَّتِها، فَهُوَ قَدْ تَزَوَّجَها كَخادِمَةٍ لَيْسَ أَكْثَرْ. إِنَّ لَدَيْهِ مَزْرَعَةَ عُجولٍ، وَبَدَلَ أَنْ يُحْضِرَ عُمّالًا لِلْعُجولِ، تَزَوَّجَ مِنِ ابنَةِ عَمَّتِهِ؛ لِتُنَظِّفَ العُجولَ وَتَقومُ بِذَبْحِها لِلْبَيْعِ.
وَأَمّا سَماهِرُ، فَهِيَ قَريبَةٌ لَنا مِنْ بَعيدٍ، وَكانَتْ مَعي بِنَفْسِ المَدْرَسَةِ. هِيَ مِثلي في الصَّفِّ التّاسِعِ وَلكِنْ شُعْبَتي "أ" وَشُعْبَتُها "ب".
كانَتْ سَماهِرُ تَعيشُ مَعَ والِدِها وَزَوْجَتِهِ؛ فَوالِدَتُها تُوُفِّيَتْ لَحْظَةَ وِلادَتِها؛ مِمّا جَعَلَ والِدُها يَكْرَهُها كُرهًا شَديدًا. لَقَدْ تَزَوَّجَ مِنْ فَتاةٍ جَميلَةٍ في عُمْرِ ابنَتِهِ سَماهِرُ، وَلكِنَّها بِلا أَخلاقٍ، وَأَنْجَبَ مِنْها وَلَدَيْنِ وَابنَتَيْنِ جَميعُهُمْ يَتَعَلَّمونَ في أَرقى المَدارِسِ الخاصَّةِ.
وَكانَتْ سَماهِرُ ذاتَ وَجْهٍ صَغيرٍ وَبُنْيَةٍ هَزيلَةٍ جِدًّا. لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ زَوْجَةَ أَبيها تَحْرِمُها مِنَ الطَّعامِ اللَّذيذِ. وَقَدْ تَمَّ طَرْدُ سَماهِرَ مِنَ المَدْرَسَةِ، بَعْدَما اكتَشَفَتِ المُديرَةُ سَرِقاتِها المُتَكَرِّرَةَ لِمَصروفِ البَناتِ وَما يَحْمِلْنَهُ مِنْ فَطائِرَ وَعَصيرٍ وَما شابَهَ.
وَهَكَذا أَصْبَحَتْ سَماهِرُ خادِمَةً في بَيْتِ والِدِها وَزَوْجَتِهِ. يَتَناوَلونَ الطَّعامَ وَالمُشَهِّياتِ، وَتَحْصَلُ هِيَ عَلى الفُتاتِ وَالقَليلِ مِنَ الطَّعامِ. كانَتْ تَكْنُسُ وَتُنَظِّفُ البَيْتَ وَتُرَتِّبُ الغُرَفَ وَتَشتَري اللَّحْمَ وَالدَّجاجَ والخَضْراواتِ وَالفَواكِهَ. كُنْتُ أَراها بِثَوْبِها المُمَزَّقِ وَحِذائِها المُهْتَرِىءِ وَشَعْرِها المَنْكوشِ، فَأَبكي وَلكِنْ لا أَسْتَطيعُ مُساعَدَتَها. إِنَّ والِدَها يَضْرِبُها بِحِذائِهِ بِاسْتِمرارٍ، وَالوَيْلُ إِذا أَخَذَتْ شَيْئًا مِنَ الجيرانِ أَوِ المَعارِفِ، فَالضَّرْبُ يِشْتَدُّ وَالبُكاءُ يَزدادُ وَلا أَحَدَ يَتَدَخَّلُ.
وَبَعْدَ حَوالي الأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، بَحَثْتُ عَنْ سَماهِرَ فَلَمْ أَجِدها. عَلِمْتُ مِنَ الجيرانِ أَنَّ رَجُلًا بَخيلًا في عُمرِ والِدِها، بَلْ رُبَّما أَكْبَرُ، قَدْ عَقَدَ قِرانَهُ عَلَيْها وَأَخَذَها بِثِيابِها الّتي عَلَيْها بَعْدَ أَنْ دَفَعَ لِوالِدِها خَمْسَةَ آلافِ دينارٍ.
وَفي يَوْمٍ، وَبَيْنَما كُنْتُ أَتَصَفَّحُ الجَريدَةَ، قَرَأْتُ خَبَرَ وَفاةِ سَماهِرَ هِيَ والجَنينُ الّذي بِبَطْنِها. أَمّا سَبَبُ الوَفاةِ؛ فَهُوَ سوءُ التَّغذِيَةِ.
وَأَمّا مُنْيَةُ, فَهِيَ فَتاةٌ جَميلَةٌ جِدًّا، كانَتْ مَعي في الصَّفِّ الثّامِنِ. كُنْتُ أَرى مَلامِحَ الحُزْنِ وَالأَسى عَلى وَجهِها بِاسْتِمرارٍ، وَعِندَما كُنْتُ أَسأَلُها عَنِ السَّبَبِ، كانَتْ تَكتَفي بِكَلِمَتَيْ : "الحَمْدُ لِلهِ". وَذاتَ يَوْمٍ، حَضَرَتْ مُنْيَةُ إِلى المَدْرَسَةِ وَهِيَ في حالَةْ لا أَعْرِفُ ماذا أُسَمّيها : أَهُوَ اكتِئابٌ أَمْ حُزْنٌ أَمْ أَسًى!! وَكانَتِ الدُّموعُ تَملَأُ عَينَيْها، وَلَكِنَّها كانَتْ تُخفي الدُّموعَ بِكَفَيِّ يَدَيها.
- ما بِكِ يا مُنْيَةُ؟ وَلِماذا كُلُّ هذِهِ الدُّموعِ؟
- أَبي اليَوْمَ طَلَّقَ أُمّي وَدَفَعَ لَها مَبلَغًا كَبيرًا مِنَ المالِ عَلى أَنْ أَظَلَّ مَعَها. هُوَ لا يُريدُني وَلا يُريدُ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَلَيَّ. إِنَّهُ سَيَتَزَوَّجُ مِنْ سِكِرتيرَتِهِ بَعْدَ أُسبوعٍ.
- وَالآنَ، أَنْتِ سَتَبقينَ مَعَ والِدَتِكِ وَهُوَ المَطلوبُ.
- وَلكِنَّكِ لا تَعرِفينَ أُمّي : إِنَّها امرَأَةٌ تُحِبُّ لَعِبَ القِمارِ وَشُرْبَ الخَمْرَةِ وَتَنسى أَنَّ لَها بِنتًا في سِنِّ المُراهَقَةِ. وَهُوَ السَّبَبُ الرَّئيس الّذي جَعَلَ أَبي يُطَلِّقُ أُمي. إِنَّ المُرَبِيَّةَ هِيَ الّتي تَعتَني بي وَتَسأَلُ عَنّي، أَمّا أُمّي، فَأَنا بِالنِّسبَةِ لَها مِثْلَ أَيِّ قِطْعَةِ آثاثٍ في القَصْرِ.
وَمُنْذُ ذلِكَ اليَوْمِ، ما عادَتْ مُنْيَةُ تَضْحَكُ وَتَلْعَبُ وَتَدْرُسُ مَعي. كانَتْ دائِمًا تُحِبُّ الانْزِواءَ في السّاحَةِ لِوَحْدِها. وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ أُمَّها قَدْ تَزَوَّجَتْ مِنْ تاجِرٍ كَبيرٍ.
- رَفيفُ، أَنا في ضائِقَةٍ بَلْ مُصيبَةٍ كُبْرى. إِنَّ زَوْجَ أُمّي يُريدُ أَنْ يُزَوِّجَني لِتاجِرٍ مِثْلِهِ.
- وَما الغَريبُ في ذلِكَ؟ سَتَسْكُنينَ في قَصرٍ وَتَكوني أَنْتِ سَيِّدَتَهُ. لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ العَريسَ تاجِرٌ في أَواخِرِ العِشرينِيّاتِ مِنْ عُمْرِهِ.
- وَلكِنْ يا رَفيفُ، أَنْتِ لا تَعلَمينَ شَيْئًا. إِنَّ زَوْجَ أُمّي وَالعَريسَ التّاجِرَ يُتاجِرانِ في المَمنوعاتِ.
وَلَمْ تَأْتِ مُنْيَةُ إِلى المَدْرَسَةِ في اليَوْمِ التّالي، وَانْقَطَعَتْ أَخبارُها عَنّي وَعَنْ طالِباتِ الصَّفِّ إِلى أَنْ جاءَ الخَبَرُ المُفْجِعُ : لَقَدِ انْتَحَرَتْ مُنْيَةُ قَبْلَ حَفْلِ زَفافِها بِيَوْمٍ، حَيْثُ أَقْدَمَتْ عَلى شَنْقِ نَفْسِها بِحَمّامِ القَصْرِ.
وَأَمّا نورُ، فَقِصَّتُها تَصْلُحُ لِأَفلامِ السّينَما. كانَتْ نورُ تَعيشُ مَعَ والِدَيْها وَلَها أُخْتٌ اسمُها حورٌ وَأَخٌ اسمُهُ عَبْدُ الكَريمِ. كانَتْ نورُ البِنْتُ البِكْرُ لِوالِدَيْها، وَكانَتْ تَعيشُ حَياةً سَعيدَةً. كانَتْ نورُ صَديقَتي وَرَفيقَتي مُنْذُ الطُّفولَةِ.
وَذاتَ يَومْ، جاءَتْ نورُ إِلى المَدْرَسَةِ السّاعَةَ الثّامِنَةَ إِلا رُبْعٍ، أَيْ وَقْتَ قَرْعِ الجَرَسِ لِلطّابورِ الصَّباحِيِّ.
- نورُ، ما بِكِ اليَوْمَ قَدْ تَأَخَّرْتِ عَنِ المَدْرَسَةِ؟ أَنْتِ تأْتي السّاعَةَ السّابِعَةَ صَباحًا، فَلِماذا تَأَخَّرْتِ اليَوْمَ؟
- لا شَيْءَ يا رَفيفُ. هُناكَ حادِثٌ في الطَّريقِ سَبَّبَ أَزْمَةً كَبيرَةً، وَهذا كُلُّ ما في الأَمْرِ.
- نورُ، نَحْنُ الآنَ في حِصَّةِ الرَّسْمِ، وَأَنْتِ طالِبَةٌ تُحِبّينَ الرَّسْمَ وَقَدْ مَضَتْ نِصْفُ الحِصَّةِ وَلَمْ تَرْسُمي شَيْئًا. ما بِكِ يا نورُ؟ أَلا تَوَدّينَ المُشارَكَةَ في مُسابَقَةِ المَدْرَسَةِ؟
- أَجَلْ يا مُعَلِّمَتي أَنْوارُ، سَأُشارِكُ في المُسابَقَةِ. أَتَعْرِفينَ ماذا سَأَرْسُمُ؟ سَأَرْسُمُ جَهَنَّمَ وَفيها نارٌ وَالشَّياطينُ مِنْ حَوْلِها.
- هَلْ جُنِنْتِ يا نورُ؟ ما بِكِ يا بنَتي؟ هَلْ حَدَثَ مَعَكِ شَيْءٌ؟ أَخبِريني فَأَنْتِ مِثْلُ ابنَتي.
وَفي اليَوْمِ التّالي، لَمْ تَأْتِ نورُ إِلى المَدْرَسَةِ. اتَّصَلَتْ المُديرَةُ بِبَيْتِ نورَ، وَأَكَّدَتْ والِدَتُها أَنَّ نورَ خَرَجَتْ مِنَ البَيْتِ إِلى المَدْرَسَةِ.
وَبَدَأَ القَلَقُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ البَيْتِ وَالمَدْرَسَةِ وَالكُلُّ يَسْأَلُ : أَيْنَ نورُ؟ وَبَدَأَ البَحْثُ عَنْ نورَ الّتي كانَتْ تَخْتَبِيءُ في المُتَنَزَّهِ القَريبِ مِنَ المَدْرَسَةِ.
- نورُ، الحَمْدُ لِلهِ أَنَّني وَجَدْتُكِ. ما بِكِ يا نورُ؟ أَنْتِ بِالتّأْكيدِ في ضائِقَةٍ، وَأَنا المُرْشِدَةُ الاجتِماعِيَّةُ وَسَأُساعِدَكِ فَلا تَخافي. لِماذا قُلْتِ لِمُعَلِّمَةِ الرَّسْمِ أَنَّكِ تُريدي رَسْمَ جَهَنَّمَ وَالنّارَ وَالشَّياطينَ؟ مِنْ هُوَ الّذي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكونَ فيها؟
- إِنَّهُ، إِنَّهُما أَبي وَأَخي يا مُرْشِدَةَ فِداءُ. أَنا أَكْرَهَهُما وَلا أُريدُ أَنْ أَراهُما وَلا أُريدُ العَوْدَةَ إِلى البَيْتِ. أَرْجوكِ، خُذيني عِنْدَكِ وَأَحْضِري لي أُختي حورُ؛ فَأَنا خائِفَةٌ عَلَيْها مِنَ الشَّياطينِ.
وَاَخَذَتِ المُرْشِدَةُ الاجْتِماعِيَّةُ فِداءُ نورَ إِلى مُؤَسَّسَةِ الشُّؤونِ الاجْتِماعِيَّةِ؛ فَهُوَ المَكانُ الآمِنُ لِنورَ.
- نورُ، بِما أَنَّكِ تُحِبّينَ الرَّسْمَ، هَلّا رَسَمْتِ لي ما يُزْعِجَكِ؟
وَرَسَمَتْ نورُ اعتِداءَ أَبيها وَأَخيها عَلَيْها. وَفَهِمَتِ المُرْشِدَةُ الاجْتِماعِيَّةُ فِداءُ سِرَّ هُروبِ نورَ إِلى المُتَنَزَّهِ.
وَبَعْدَ أَيّامٍ قَليلَةٍ، عادَتْ نورُ إِلى البَيْتِ بَعْدَ أَنْ تَعَهَّدَ أَبوها وَأَخوها عَدَمَ الاقتِرابِ مِنْها.
وَبَعْدَ سَنَةٍ، تَقَدَّمَ ابنُ عَمِّها لِنورَ طالِبًا يَدَها، فَوافَقَتْ عَلَيْهِ وَعَلى الفَوْرِ.
- نورُ، كَيْفَ تُوافِقينَ عَلى الزَّواجِ مِنِ ابنِ عَمِّكِ أَسْعَدَ؟ أَنْتِ قُلْتِ لي ذاتَ يَوْمٍ أَنَّكِ تَعْتَبِرينَهُ مِثْلَ أَخيكِ.
- أَجَلْ يا رَفيفُ، وَلكِنَّهُ ابنُ عَمّي، وَبِالتَّأْكيدِ يَخافُ عَلَيَّ.
يَقِيَ أَنْ تَعْرِفوا أَنَّهُ وَبَعْدَ حَفْلِ زَفافِ نورَ على ابنِ عَمِّها أَسْعَدَ، قَدْ تَمَّ قَتْلُها عَلى يَدِهِ. فَلَقَدِ اكتَشَفَ أَسْعَدُ أَنَّ عَروسَهُ نورَ لَيْسَتْ عَذراءُ؛ فَقَتَلَها بِدافِعِ الشَّرَفِ.