الخميس، 19 سبتمبر 2019

قصة قصيرة بعنوان{{ذكريات قاتلة}}بقلم الاديب العراقي القدير الاستاذ {{رعد الإمارة}}

(ذكريات قاتلة )

تحسر طويلا وهو يقف في وسط المطبخ الصغير،وانتابه شعور بأن ثمة من يراقبه،لقد مضت شهور عديدة على ذلك، مسح المكان بنظرة ملؤها الكآبة، وأدرك بإنه يفتقد الجرأة لفعل ذلك! ورغما عنه لمعت عيناه،فتلك اغراضها، كل شىء باق كما هو،مع فارق بسيط، ذلك هو الغبار الذي كساها!!لكن مهلا ثمة شىء آخر، إنه نسيج عنكبوت، هناك في الزاوية العليا من سقف المطبخ،جال بعينيه في المكان وحاول العثور على مكنسة قش أو عصا طويلة يلف عليها خرقة مستعملة، لكن لا فائدة!سقطت ذراعيه بجانبه،بحث عن علبة سجائره في جيبه، لكن يده عادت خالية الوفاض، حدق أمامه وأدرك أن العلبة مستقرة هناك على طرف المنضدة في صالة الإستقبال، حاول مغادرة المطبخ لكن بقيت قدماه مقيدتان ، شعر بأنهما قد سمرتا إلى هذا المكان الذي كان في يوما ما يضج بالحميمية والألفة!مست يده  ابريق الشاي، أبعد أصابعه بسرعة، خيل له بأن تيارا من الذكريات قد سرى فيه،انتابته فجأة نوبة غضب وأخذ صدره يعلو ويهبط وهو يردد :ياالهي، كيف عساني أنسى! ارتد بخطواته للخلف، مشى وهو يتمتم :ليذهب الشاي للجحيم. جلس في صالة الاستقبال، استقرت كفه فوق علبة السجائر، حاول طرد الذكريات من ذهنه بمحاولة الانشغال بقراءة عبارات التحذير المطبوعة على العلبة،زاغت عيناه فجأة، وتلمس عذرا للدمع المنبجس من مقلتيه رغما عنه، رفع صوته بنحيب متقطع وهو يتحدث لسقف صالة الإستقبال! 
-ربما عليك بمساعدتي، فأنا حبيبتي لم أعد أتحمل!علا صوت نشيجه وأخذ كتفاه بالاختضاض، ثم على حين غرة سكن كل شىء!أخذ يئن فقط، انات متتابعة، وبأصابع مرتجفة مس جبينه فشعر بسخونته، أشعل سيجارة وحاول النهوض للأغتسال، استند على أصابعه المرتعشة وحاول الوقوف، لكنه مالبث أن شعر بالدوران فأختل توازنه وسقط في مقعده الذي تهاوى  تحت ثقل جسده، علت الدهشة ملامحه وبقي معلقا لبرهة وهو يحاول عبثا الوصول بأصابعه لطرف المنضدة! كانت ساقاه قد تشابكت مع سيقان المقعد، رمشت عيناه وهو يحملق في صورتها المؤطرة بعذوبة، شعر بالحياء منها، لكن ابتسامتها سرعان ما جعلته يضحك بعصبية فيما أخذت الدموع تنهال بغزارة هذه المرة على وجنتيه!!حل المساء، لم يكن قد تناول شيئا بعد، ثمة حريق في جوفه، حاول الوقوف، فعاوده الدوران مجددا، اغمض عينيه ،أبعد أشباح الذكريات عن ذهنه، لكن لا! ثمة ذكرى واحدة تداعب خياله الآن، أرجوحة، وهناك من يدفعه ويضحك بجذل، هذه الضحكة يعرفها! إنها هي ،التفت للخلف، لفحت  وجهه خفقة جنح ضبابي ،ثم اختفى كل شىء. كان العرق يتصبب غزيرا على جبينه حينما أفاق من خيالاته الغريبة، أرغم نفسه هذه المرة فجر قدميه جرا، كان يشعر إن تلك قد تكون خطواته الأخيرة، استدار وألقى نظرة طويلة أخرى على صورتها المؤطرة، لم تكن واضحة هذه المرة، كانت ضبابية!وقف عند سريرهما المشترك، تنهد طويلا قبل أن يستلقي، عاد بجسده الممدد للخلف وافسح لها مكانا، مد أصابعه وأخذ يمسد الفراغ وهو يبتسم! ادركه التعب بعد فترة، وشعر بأن ذراعه قد أصبحت ثقيلة، تركها تهوي، سحب الغطاء، أخفى رأسه تماما، ونام! صباحا كان السكون يلف المكان، لم يتغير شىء، لكن فقط كانت النافذة مفتوحة على مصراعيها ،وثمة ريح غريبة كانت تداعبها بلطف، أما في الغرفة شبه المعتمة فبقي كل شىء مسجى كما هو، فيما اختفت صورة المرأة المؤطرة وربما للأبد هذه المرة!!!(ملاحظة :القصة حقيقية تماما، حدثت لصديق في الماضي، وجدوه ميتا حزنا على فقدان زوجته، أما الصورة والاشباح فمن وحي الخيال فحسب )
بقلم /رعد الإمارة /العراق 
26/8/2019 الجمعة

ليست هناك تعليقات: