الثلاثاء، 6 أبريل 2021

قصة قصيرة تحت عنوان{{صباح القتل}} بقلم الكاتب القاصّ السوري القدير الأستاذ{{مصطفى الحاج حسين}}


/// صباح القتل …

             قصة : مصطفى الحاج حسين .

يغلق الباب خلفه ، يدلف إلى الشّارع المعتم ، تصفعهُ حبّات المطر ، تخترقُ صدره سهام الرّياح ، يزرّ سترتهِ ، لا وقتَ لديهِ ليحضر المظلّة ، تتضاعفُ نقمته على امرأتهِ، يسارعُ الخطا محاولاً الاحتماءَ بالشّرفاتِ ، الشّارعُ طويلٌ ، وعليهِ أن يسرعَ ، يهرولَ ، يغوصَ في المستنقعاتِ … لا يعبأ بالوحّل :

– (( لن أسامحك يا يا “فاطمة ” … لا تهتمينَ بإيقاظي رغم وجود المنبّه )) .

      لهاثهُ وانفعاله يحدّانِ من قسوةِ البردِ ، لكنّ المطرَ الشّرسَ منهمكٌ بإغراقهِ :

– (( سيذبحني الجّوع .. ولم تحضّر لي الزّوادة )) .
تتغلغل حبّات المطر إلى يباسِ عمرهِ ، تنسابُ كأفعى تلدغهُ بوحشيّةٍ :

– (( مطمئنة … تعودينَ إلى نومكِ ، حيثُ لا
أضايقكِ برغبتي الّتي تتذمّرينَ منها )) .

          يجتازُ الأبنية ، لهاثهُ يشتدّ ، بضراوةٍ يدقّ قلبه ، يباغتهُ السّعال ، يبصقُ ، ينمو بداخلهِ حقدٍ على السّائقِ الذي يأبى دخول الشّارع .

           في مكانهِ المعهود يتوقّف ، بانتظارِ الحافلةِ ، نفسه تطمئن ، لا بأس ، بإمكانه التقاط أنفاسه ،يداهمه السّعال :

– (( تعرفينَ نذالةَ السّائق .. لا ينتظر العمّال دقيقة واحدة )) .

          يتلفّتُ ، مثانتهُ تنذر بالإنفجارِ ، والطّريق إلى المشروعِ وعرٍ وطويلٍ :

– (( لمَ تتمنّعينَ يا”فاطمة” ماحيلتي ؟! .)) .

        ينظر في ساعته ، تأخر السّائق ، لا أحد يحاسبه ، شكاوى عديدة قدّمت بحقه ، والمدير يقبل أعذاره .. هكذا حال المسنود :

– (( أنا مثلكِ تألّمت يا ” فاطمة ” .. الحرمان
دفع أبننا إلى سرقةِ البرتقالة )) .

    الشّمس ترفل بقيودها خلفَ الغيوم الدّاكنة ، يتناهى إلى أذنيهِ المتجمّدتينِ هدير سيّارة ، يشقُّ أجفان الصّباح ، يحملقُ بقوّةٍ ، الأضواء تمنع عنه الرؤية ، تتّجه نحو ارتعاشهِ بجنونٍ ورعونةٍ .. يتراجعُ ، تقفزُ خلاياه ، صرخاتُ الذّعر تتفجّرُ في حدقتيهِ ، تهاجمُ السّيارة المتوحّشة الرّصيف بشراسةٍ ، تصعد نحوه بحقدٍ ، تطالهُ بصدمةٍ مميتة ، لا تسمحَ له بالانتفاض .

         يترجّل الفتى ، يرمقُ الجّثة بحنقٍ ، يبصقُ عليها باحتقارٍ ، يركلها بحذائهِ اللامع ، ثمّ يطلقُ لساقيهِ عنان الإبتعاد ، محتمياً بمكانةِ أبيهِ السّاطعة أكثر من سطوعِ شمس هذا الصّباح .

                      مصطفى الحاج حسين .

                                حلب 

ليست هناك تعليقات: