(لا تترك يدي /الجزء الثاني والأخير )
كان يقف في الممر المؤدي إلى الغرفة التي ترقد فيها زوجته ، لم يشعر بالطبيب المناوب عندما غادر، لكنه سرعان ماسمع صوت خطواته، هرع خلفه ،كان يمشي بصورة سريعة، قال وهو يمس كتف الطبيب من الخلف :
-آسف دكتور، لكنها زوجتي التي ترقد في الغرفة، أريد لو سمحت أن أفهم، لست غبيا!اخرجتماني من الغرفة، ثم رحتما تتهامسان، أرجوك ليس لها غيري. ابتسم الطبيب في وجهه، حتى إنه راح يضحك بعذوبة وقد ظلل فمه بكفه الناعمة، قال :
-هل انتهيت، هل مازلت غاضبا لأننا اخرجناك!؟ لكنها طريقتنا المتبعة هنا،نمنح المريض فرصة التخلص من الإحراج الذي قد يسببه وجود آخرين معه، -هز رأسه بلطف -نعم مهما كانت درجة المرافق الذي يصحبه، الآن بوسعك الذهاب لمريضك. راح يتأمل ملامح الطبيب، كان يبحث عن الطمأنينة التي يفتقدها قلبه، تبا! إنه يشعر بعدم الراحة، هاجس يخبره بأن الوضع سيء. سحب نفسا عميقا قبل أن يطرق الباب،همس مع نفسه، يارب، كانت الممرضة تشغل مقعده بجوار السرير، تحركت حالما رأته، ثم همست بصوت خافت:
-لن اغيب طويلا، عليك أن لاتفارقها، سأعود بعد لحظات. هز رأسه، راح يلاحق خطوات الممرضة وهي تغلق الباب خلفها بهدوء. وضع يده على جبين زوجته، حرارتها طبيعية، وانفاسها منتظمة، التفت نحو الباب المغلق وراوده بعض الخوف، همس:
-مامعنى أن لا افارقها لحظة، سحقا، ماذا يجري. عاود مس جبين زوجته، كانت يدها تستقر بلطف على صدرها، أمسك بأصابعها، تذكر كيف كان يعتصرهما بقوة حينما كانا يتجولان في الحدائق والأسواق، آه، قد تتوجع إن فعلت ذلك، هكذا فكر وهو يتحسر. كان غافيا عندما افاقت، شعر بيدها الملقاة على صدرها تتحرك، آه، كالعادة ستنزلق اصابعها هذه المرة! لكنه قطب حاجبيه وتشبث بهما ،استدارت برأسها نحوه، رمشت قبل أن تفتح عينيها، همست :
-هذا أنت حبيبي- كبرت ابتسامتها - اتعبتك معي. اشتد ضغط أصابعه على يدها الناعمة، لاح ظل من الغضب في عينيه وهو يهمس :
-لاتقولي مثل هذا الكلام، تعرفين ماسيحدث عندما أزعل. سعلت وهي تضحك، هتف وهو يدنو منها بجسده :
-إسم الله عليك حبيبتي. سكب بعض الماء، قرب القدح من شفتيها شبه الجافتين، أعاده للطاولة ثم وضع خلفها وسادة أخرى،همس :
-حبي ،هل وضعية الجلوس مريحة الآن! -اومأت برأسها -طيب هاك بللي فمك الحلو. استمرت تضحك بخفوت فيما كانت يده تقترب بالقدح من فمها الصغير. سمع صوت الممرضة من خلفه تقول بعد أن فتحت الباب على مصراعيه :
-أخي قلت لك راقبها فقط، الحديث ممنوع! مازالت صحتها ضعيفة. أخذت تسحب عربة الطعام، قطب حاجبيه وهو يلاحق بنظراته قسمات وجهها شبه العابسة، ود لو الصق بها إلى الحائط ووضع حدا لغبائها،حك ارنبة أنفه المرتجفة، همس في داخله، حقيرة كيف تقولها في وجه زوجتي، صحتها ضعيفة! كان بوسعها إخباري أنا. ارتد في مقعده لكنه مد يده وامسك بأصابع زوجته، ابتسمت الممرضة لهما ثم راحت تحدق في اصابعهما المتشابكة، حدق فيها بجمود وقد قطب حاجبيه، قال :
-أنا سأساعدها في تناول الطعام. تنهدت المريضة، سمعها تهمس، حبيبي، تضرج وجهه بالأحمرار ،قالت الممرضة :
-لابأس بذلك، لكن بعد أن تنتهيا أريدك أن تخرج قليلا -رمقها بتحد -استدركت وهي تهرب بنظراتها :
-ريثما أغير ثيابها فقط. أغلقت الباب والتفتت، كان يقف في ذات الممر، اعترض طريقها،حاول أن يدس بعض المال ،نفضت يدها وكأن عقربا لدغتها، همست وهي تقول بصوت شوبه بعض الحنان :
-لا، هذا واجبي، أفعل ذلك لأنها وظيفتي، ولأنك تشبه أخي الميت. قالت ذلك ثم لمعت عيناها، حاولت أن تنصرف، سمعته يهمس بذل :
-أرجوك ما وضع زوجتي، قولي الصدق، سأتحمل الصدمة. رفعت حاجبيها، حاولت أن تضحك، قالت :
-صدمة!؟لاتعظم الأمور أخي، حسنا، قلب زوجتك ضعيف بسبب انسداد بعض الشرايين، الدم الواصل للقلب لايكفي، قد تحتاج إلى عملية قسطرة- اصفر وجهه وارتد للخلف -مهلا، العملية بسيطة، ليست صعبة صدقني والأطباء هنا شاطرون جدا.
-طيب ماذا أفعل! أعني هل يجب أن تعرف بالأمر.
-أنها تعرف أخي، لقد اخبرتها بكل شيء، زوجتك شجاعة جدا، بل إنها أشجع منك، إذهب لها هيا، كل ماعليك فعله هو الإمساك بيدها، لاتفلتها هل فهمت!؟. ظل يومىء برأسه، وهو يلاحق خطوات الممرضة المبتعدة. كادت علبة سجائره أن تنفد، لقد عاد للتدخين مجددا، لقد مضت أكثر من ساعة مذ ادخلوا زوجته إلى غرفة العمليات، وضع يده على صدره،كان قلبه يخفق بشدة، همس في أعماقه، هل هكذا ينبض قلبك حبيبتي، آه، كم أود لو انتقل وجعك إلي. أحدهم ينادي بإسم زوجته الثلاثي، رمى السيجارة وشق صفوف مرافقي المرضى الآخرين، راحت تتطلع فيه وهي مستلقية بعينيها الواسعتين المنهكتين، كاد أن يبكي، ابتسمت له بضعف، قال الممرض الذي كان يدفع النقالة :
-عيب يارجل، البكاء للنساء، لقد نجحت عمليتها، مبارك عليك. راح يضحك وهو يعترض النقالة، كاد أن يستلقي فوقها، فجأة أخرج كل ما في جيبه من مال ودسه في يد الممرض المذهول، قال هذا الأخير :
-ليس هنا يارجل، ليس هنا. (تمت ) ملاحظة:لم أجد أنسب من هذه النهاية السعيدة،استجابة لطلب اصدقائي ومتابعيني 😊)
رعد الإمارة /العراق
9/3/2020