مشارف المشيب..
ولدت على مشارف المشيب حين عانقت عيناى ذاك البياض المشوب بالسواد أيقنت أن كل شيىء يشيب حتى الزمن عندما ضمتنى أمى الى صدرها وهى عارية الا مما يستر عورتها أو يكاد فأحسست بسعادتها العارمة وهى تلتهم بنهم حفنة التمر التى جادت بها كفا أبى مكافئة لها لأنها أنجبت مولودا ذكرا طال انتظاره عقود كأنها أباد سرمدية كان أبى أدم البشرة تنبثق من حاجبيه خيوط الضياء فترسم ظلالها على صفاء عينيه كبدر يغازل بحيرة تسرى ابتسامته على الوجنتين دون الشفاة شقوة الفضول دفعتنى لأسأل أمى وهى الحنطية الرقيقة لما تزوجته أجابت وهى تعض شفتها السفلى لأنه رجل رجل وستعرف ذلك فى حينه وما ان توطدت العلاقة بين قدمي والارض حتى أكتشفت سر تلك الابتسامة حين اندلعت ضحكته المترقرقة كنهر يغازل المنحدر وهو يستقبل الضيوف بثنيتين قد أغواهما الرحيل فتركتا المكان الى غير رجعة لم أره حافيا حاسر الرأس سوى تلك اللحظة وكأن مطر السعادة ينهمر على روحه وكل ما فيه وهو يناولنى الأعنة ويقول ضاحكا لا تخف أيها الفارس خذ أربطها فسوف تصبح فارسا عما قريب شابت مشاعرى تلك اللحظة بين سعادتى بفرح أبى وتعامله الراقى وبين خوفى من تلك الخيول التى كانت تحاول لن تتشممنى أو ربما كانت تسخر من صغرى وقصر قامتى حمدا لله ان أسعفتنى خطاى حتى أوصلها الى الرتع دون أن أسقط ولا أدرى الى الان كيف أنتهى من اجلاس الضيوف لأجده أمامى يوزع مخالى الشعير وهو يقول أعط هذه لتلك لا تخف سوف تدنى لك رأسها وهى شاكرة فعلقه على رقبتها فسرت حرارة أنفاسها الدافئة من يدي لتجوس خلال روحى وهى تنظر اليا بعين الرضى حيث كنت أرى صورتى بوضوح فى عينها وهى تحمحم فى نغم يسكن القلب بلا استأذان رغم أنى كنت أرى أبى جلفا قاسيا حين كان يأمرنى بالبقاء غير بعيد أسمع احاديث الضيوف وحكاياهم التى لا تخلو من ضحك ولأكون قريبا حين يطلبنى لم يترك لى فرصة واحدة لألعب مع الأطفال ألهو بماكانوا يتلهون فكنت أستمع اليه باستغراب أهذا حقا أبى كثير الضحك دمث الحديث سمح المحيا مجيبا لكل السائلين شعرت للحظة أن أبى كقوقل الأن لا يأت بسهم ناقصة فى شعر وتاريخ وأحدات وفقه وسيرة لقد كان موسوعة رغم تعسفه معى الذى أدركت سره أيضا يوم يوم حملوه كطائر أبيض ولم أتم العاشرة علمت يومها لما كان يحشونى بخبرات الرجال لا الاطفال لأنه كان فى سباق مع الزمن واقتراب موعد الرحيل يوم أنبأنى بما لا يجب أن يعلمه الصغار فكنت من بعده المعيل فشببت على مشارف المشيب.....
ابن الحاضر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق