/ جحيمُ الوساوس !/قصة
**********
بقلم الأديب/أحمد عفيفي
مصر
وخزات متلاحقة تتوالى وتعصف برأسه,ينظر في الأفق ويفكر في المجهول,ويسخر من الشئ المسمى -بالثقة-
أحسً أنه لو تروًى قليلاً لربما يعصف به هوسٌ أو يستسلم لسبات مميت,أو يحلس يجتر عذاباته على أفضل الأحوال
شخًص في الأفق ثانية ,بدت السماء ساكنة بنجومها الشاحبة,سحب شهيقا وأزفره بعنف,فاحت رائحة الذكريات ,وبدت سطوة الشك أشد فتكاً,وبدت النقمة أعتى من الود والتسامح,(أقسمت أن الرجل رسول من طرف أخيها المغترب في الخارج,لماذا يأتي دائماً في عدم وجوده بالمنزل؟)
ازداد أوار الغضب بأم رأسه,اعتدل أمام عجلة القيادة,أحس أن جهنم تهيًأت وفتحت أبوابها,أطلق العنان للإطارات الأربعة,لمحه يقترب ويقترب ويملأمساحة الزجاج الأمامي للسيارة ويحجب الرؤية,لم يجد بُداً من الإنصات له, بادره موسوساً(لا تخش شيئاً أنظر في وجهها وأمعن النظر,واكتم زفيرك وغضبك,ثم صوًب شرر عينيك بدقة,بين عينيها تماما,ليشج وجهها نصفين,ثم استدر , وابصق في وجه الريح)
تمنى لو أن شيطان الوساوس أصابه عمىً مؤقت ,لكنً نظراته كانت جلية أمامه
مسح الشوارع والأزقة والتواءات الجسور,تجاوز شريط النهر الطويل,تذكًر اللعوب زوجة صديقه الطيب ,لماذا يطارده وجهها الآن بعد هذا الردح من السنين,لم يفطن يومها لرغبتها وإصرارها على النزول في البحر وحدها لتغوص بعيدا في المياه الزرقاء,وتتركه وزوجها أسفل -الشمسية- كانت تردد دائما:أن الحياة تصبح أكثر متعة حين تستلقى على ساط الماء الأزرق بعيدا عن عن الشاطئ
حتى انتفضا فجأة هو وزوجها ليشاهداها على مرمى البصر تحتضن شاباً ممشوقا, ثم يسبحان ويغطسان معا,ثم تعود وحدها بعد فترة , تتمايل وتتبختر غير عابئة بهما,تتمايس بجسدها
الوردى الممشوق فى غنج فيثير كل الكائنات على الشاطئ )
وصل إلى أطراف خواءٍ فسيح رطب,به بعض الزواحف الصغيرة تلهو مخلفة غباراً قليلاً,نجح فأرٌ جبلي في انتزاع بسمة مقتضبة منه حين تقافز بذبله المعقوف مصارعاً سحلية صغيرة , وبدت أصداء ليل مجهول تتهافت(مازال يمقت الجهل والقارحات اللواتي يعبثن بالهاتف ويفاخرن بأن الذى يستطيع أن يدرك أغوارهن,لم يأت بعد)
جاهد ليظل قابضا على عجلة القيادة,عاودته ذكرى اللعوب(لم تكُ سوى امرأة لها وجه جميل شيطانيًِ,ولم يكن صديقه مأفوناً حين ترقرقت سريرته بالحب والمشاعر الجياشة,ولم يكن مذنباً حين أُزهقت كرامته وتوحد بكاؤه مع بكاء مالك الحزين)
كانت قدمه اليمنى لا تزال جاثمة على بدال الوقود رغم دويً الإرتطام الذي أفقده الرؤية فترنحت العربة في الجهات الأربعة لتستقر بنهر الطريق على سقفها,أقبل شبح الموت,وتهيأت روحه للرحيل ,خرج منها قريناً يشبهه تماما راح يرمقه ساخرا قبل أن يُغادره ويمضي ,لكنه تردد وعاد إليه لصطحبه معه ويعبر به طريقا مغايراً
ثم وقف أمام بناء , ثم صعد وراح يفتش في الدهاليز والحجرات المغلقة وتصنًَت أمام غرفة سمع بها شيئاً فدلف داخلها ورأى فيها جسد صاحبه مسجى فوق منضدة حديدية صدئة وأمامها رجل يرتدى نظارة سميكة ومعطف أزرق ممسكا بآلة حادة ,وشاهد آخر لا يرتدى معطفا راح يوشوش صاحب المعطف الأزرق قائلاً(ارتطام شديد أحدث تفتتا وانهياراً بالعظام وتهتك بالشرايين مما عطًل مسيرة الدماء وحال دون وصولها للقلب)
امتعض من الشبيه الفضولى وفكر أن يبصق عليه لكن الشبيه مضى غير مكترث يتسكع ,اخترق شقة جاره المتوفى حديثا والذى كان دائم الشجار مع زوجته الحسناء ,تمتم(تبا للملعون الشبيه إنهم في حداد,)كانت الحسناء زوجة المتوفى ترتدى ثوبا أسود قصير وتبكي بشئ مريب وهى تخطو بين المعزين بفستانها المفتوح بسخاء عند الصدروعند الذيل من الخلف والذي يكشف الكثير من لحمها الأبيض المشبع بالإحمرار فتلوح كقطعة من القشدة في طبق أسود تعصف يأعين وقلوب المعزين,
ينصرف المعزون فيشرق وجهها حين تسمع طرقا منغما على الباب وتفتح فيدخل شاب جميل الطلعة يحتضنها بعنف وشوق فتقول له:انزاحت الغُمة ياحبيبى تعال وقتما شئت
يغادر الشبيه الفضولى باسقاً ضحكاته الشيطانية,ثم يتلاشى رويدا رويداً,فيما هو يبتسم رغما عنه ويشعر فجأة بسكينة وراحة ويدرك أن شكوكه ووساوسه لم تكن شيئا قياسا بما رأى,,فتزايله الرهبة ويشعر أن إحدى حواسه لازالت تعمل,ويتنضت بصعوبة لهسيس كصفارت الإنذار المتقطعة,بينما بصيصٌ من الرؤية يساعده في التقاط بعض الظلال المتداخلة لسيقان تبرز من معاطف بيضاء تغدو حيئة ورواحاً تلوح بين أيديها قوارير شفافة وأكياس دماء وخراطيم بلاستيكية رفيعة فيما الشبيه الفضولى يتباعد ويتباعد ثم يختفى تماما خلف الأفق البعيد @