الأحد، 20 أكتوبر 2019

ج1 من قصة{{حكاية يد}} بقلم الاديب والكاتب العراقي {{رعد الامارة}}

(حكاية يد /الجزء الاول ) 

قالت اليد اليسرى وهي تنتصب بكبرياءبعد أن كانت منكمشة :
    -أرعن، إنه يستحق ذلك، لقد سبب لي ولشقيقتي الأذى.راحت أصابع اليد اليسرى تعود بذاكرتها للوراء، لقد بدأ الأمر معه منذ الطفولة.كان الشتاء قد حل باكرا هذه المرة،وكالعادة مع حلول كل شتاء، فقد اتقد الموقد بلهيب  وهاج مصدره تلك الجمرات، التي راحت تلمع وهي تطلق الشرر مابين الحين والآخر .كان الدفء اللذيذ قد تسرب وشاع في جو غرفة الإستقبال مما أتاح للطفل حرية الحركة بعيدا عن قيود الاغطية والملاحف، راح يلهو في البداية مع الوسائد التي راح يقذف بها أباه تارة وأمه تارة أخرى، بادلاه اللهو بمحبة في أول الأمر، لكن سرعان ماخبت جذوة متعتهما، إذ تسلل سلطان النوم يرافقه الخدر اللذيذ فقضى على آخر مقاومة ابداها جفنيهما شبه المغلقين، وهكذا باءت محاولة الطفل للفت انتباههما بالفشل، في هذه الأثناء حول نظره، كان ثمة شىء آخر  قد جذب انتباهه بشدة، إنه صوت الشرر المنبعث من الجمر الأحمر البراق. تحرك الطفل وراح ينظر بغرابة، كان السكون مطبقا تماما ،وسائدا في جو الغرفة، ثم فجأة تعالى صوت صراخ عالي شق هدوء المكان، اتسعت عينا الأم المذعورة وهي ترى الجمرة الحمراء تلمع في كف الطفل قبل أن يلقي بها أرضا، هرولت إليه يتبعها الأب بخطوات متعثرة، كانت راحة الكف اليسرى وبعض الأصابع الطرية قد احمرت وتمزق لحمها!فيما راح الطفل يتلوى مثل الأفعى.حدقت مرعوبة لشقيقتي التي تورم لحمها البض ،كانت منبسطة تماما حين تم وضع بعض من مكعبات الثلج عليها، أغمضت عيني وانا أشهد انقباضها ثم انفراجها ببطىء، المسكينة كانت تعاني بشدة، حملت الأم الطفل وراحت تدور به في الغرفة وهي تحاول عبثا اسكاته، همست لنفسي :أحمق، يستحق ماجرى له، لكن لا؛ فشقيقتي هي من كان الضحية، يالغبائي الكبير. مضت أيام عدة قبل أن يخف الورم والألم، ظلت شقيقتي رغم ذلك تكابد الوجع، حتى إنها بكت قيحا بالنهاية،أحيانا كنت أمد السبابة بحذر، في محاولة خرقاء مني لمداعبة مركز الألم، رغم ذلك فالفضل كان يعود بالنهاية لتلك المراهم الصديقة التي هبت لنجدة شقيقتي وعجلت في شفائها. انقضت أيام الشتاء بسلام أخيرا، لم يحدث خلالها شىء يذكر، اللهم إلا مزيدا من البرد الذي كان ينخر الأجساد، وكنا طوال هذه الأيام نقضي الوقت ونحن شبه متلاصقين، وأحيانا كنا نحتضن بعضنا ونغفو ونحن متشابكين. كنت دوما قريبة من شقيقتي، وكان العبء الأكبر من المسؤوليات والجهد يقع عليها،لكني كنت اساعدها في أغلب الأحيان، لقد تعاونا وتكاتفنا بقوة،وقد حاولنا قدر الإمكان أن نكون حذرتين، ماساعدنا بالنهاية، إن عقل الطفل السخيف هذا كان ينمو بسرعة، تبا له، مع  ذلك، ظل غبيا رغم شطحات الذكاء المتباينة. انقضت أخيرا فترة طويلة ، ومرت سنين عديدة، والطفل ذو الشعر الأسود الغزير اصبح صبيا كبيرا مراهقا الآن، مازلنا في نفس الدار، لم يتغير شىء، لكن لا!أصبح للصبي المراهق غرفة خاصة به، كان الصبي كثير الحركة، يقضي أغلب نهاره في الرقص والدوران، وكنا نشاركه الرقص المجنون هذا بالطبع، لم نكن وحدنا من نفعل هذا، السيقان أيضا كانت تفعل ذلك. بمرور الوقت بدأت مراهقته تطفو على السطح، كان ثمة طبع غريب قد بدأ يسيطر عليه، لم تكن  هواية بقدر ماكان تصرفا ارعن، لقد أصبح فجأة وربما بتأثير الهرمونات التي بدأ يظهر تأثيرها على جسده ،لقد أصبح مهتما اهتماما خاصة بصدور الفتيات! نعم، كان يلذ له العبث في هذا المكان! اللعين كان يجعلنا نتوتر، وكالعادة فهو اختار شقيقتي اليمنى لممارسة هذا الفعل الشائن.كان قد خرج  لتوه من المدرسة،وفي منطقة انتظار الباص كان يقف لوحده بعد أن غادر صديقاه،راح يتلفت يمنة ويسرة، وكأنه يبحث عن شىء معين، تحرك من مكانه بعد أن دس بي في جيبه، فيما ترك أصابع شقيقتي حرة وطليقة، كان ثمة بنت شقراء بصدر بارز، تقف غير بعيدة من الجمع الواقف،أخذ يحوم حولها، ثم راح يحدق في صدرها بجرأة متناهية، رمقته البنت بنظرة استفهام، لم تبتسم، فقط هزت كتفيها، ثم اشاحت بنظرها بعيدا، ازداد اقترابا منها، حتى كاد أن يلتصق بها، كان الطقس باردا،حاول أن يلفت انتباهها، وفكر بأن يبدأها الحديث حول الطقس، لكنه قبل أن يفعل، وصل الباص! هرع الواقفون بسرعة، سبقته الفتاة بالصعود، وجد نفسه وحيدا في منطقة الباص، هرع مسرعا قبل  انطلاق الأخير، راح يتلفت وهو يسير ، لمحها ،كانت تجلس بجوار امرأة مسنة، نظر للامام ،كان ثمة مقاعد فارغة في نهاية الباص، لكنه فضل الوقوف قريبا منها، بل فوق رأسها تماما! 
(انتهى الجزء الأول /يتبع )
 بقلم /رعد الإمارة /العراق 
 16/10/2019 الأربعاء

ليست هناك تعليقات: