قصة (أختي الصغرى)
لا أتذكر بأني حضرت زفاف أياً من شقيقاتي الخمس! كنت خجولاً لعيناً وكنت دائم السفر! ، تناسيت أو نسيت في وقتها بأني الأخ الأكبر، مازلت أذكر كيف إني بعد أشهر طويلة من عودتي، وتحت إلحاح عجيب من اخوتي وبعضاً من اقاربنا قد قررت زيارة شقيقتي الصغرى! وربما يعود سبب وقوع الخيار عليها لإنها كانت آخر العنقود!. عندما طرقت الباب كنت متردداً، وكانت ركبتاي تصطكان مع بعضهما،أتذّكر إن من فتح الباب على مصراعيه حينها، طفلة صغيرة بضفائر شقراء، وضعت إصبعها الصغير في فمها ثم راحت تتأملني بخجل ،وكأني كائن غريب! لن أخبركم عن كمية الدمع الساخن التي ذرفتها عيني شقيقتي الصغرى على كتفي، وهي تحتضنني بقوة بذراعيها الرفيعتين، لقد فعلت أكثر من ذلك! لقد أمسكت بيدي ثم افلتتها، راحت تجري في باحة الدار وكل الغرف، أنه أخي، لقد حضر أخي الأكبر. بقيت مسمراً في مكاني، كان ثمة همس كثير راح يدور في بعض الغرف، بعضهم قال إنه الأكبر فيهم، كان دائم السفر! هذه المرة الطفلة الشقراء كان بصحبتها صبي شبه عاري وصبية أخرى ملطخة بالاصباغ، أخرجت شقيقتي الطفلين الآخرين ،لكنها رفعت الطفلة ذات الضفائر، رفعت ذقنها بيدها وقالت وقد لمعت عيناها لمعاناً غريباً :
-هل تشبهني حقا؟ أنظر إلى ملامحها وقل، لاتكذب. حدقّت في العينين الخجولتين اللتان راحتا تدوران في محجريهما، وعاد الاصبع الصغير ليشق الحلق شقاً، فعلاً تشبه شقيقتي، نفس الشعر والأنف، وربما الأذنين، قلت بصوت بدا خافتاً لكن صادقاً :
-الشبه عجيب، كأنها أنت حبيبتي!. هَتفتْ بعد أن ألقت بالطفلة بين ذراعي:
-أنتظر لحظة. غابت شقيقتي للحظات لكنها سرعان ماعادت وهي تحمل هاتفاً جوالاً بيدها، سمعتها تتحدث بصوت سريع وقوي، كانت تردد مابين كلمة وأخرى انه أخي، عاد أخي، لم يدم الأمر سوى لحظات حتى امتلأت عيناي بدمع أخذ يتلألأ! واصلت حديثها المندفع مع زوجها ، كنت اراقبها وانا أدس أصبع الطفلة الصغيرة في فمي، قالت:
_نعم سأخبره، لكن حاول أن تأتي بسرعة. ضمت الهاتف إلى صدرها وتنهدت بصوت مسموع، استدارت صوبي وراحت تداعب الطفلة،قالت :
_هذا خالو، قولي خالو. اخفت الطفلة وجهها في كتفي، حملتها أمها بعيداً،عادت لتقول :
_ ستبقى هنا، سأحضر لك ثياباً. قالت ذلك ثم هرولت للخارج. انضم الطفلين اللذين عادا للصبية،راح الثلاثة يختلسون النظر وهم يكركرون، ازاحتهم شقيقتي جانباً، كانت تحمل ثياباً نظيفة معطرة، أشرت لها بيدي حول ضرورة عودتي، جَمدتْ اصابعها وتخشبت على قطعة الثياب، غامت ملامح وجهها، انبثق فجأة سيل الدمع الذي أعرفه، تقدمت منها واحطت كتفها بذراعي، انضم الأطفال لبعضهم، كانوا يحدقون بصمت، قلت لها :
-سأعود مرة أخرى، هذا وعد مني، تعرفين مازال لدي أربع أميرات، لابد من زيارتهن، لكن حصة الأسد ستكون أنتِ. زمت شفتيها للحظات، لاحظت ارتباكي فأشرق وجهها، هَمستْ :
-سأعتبر كلامك وعداً مقدساً، سننتظر أنا والشقراء، _أشارت بأصبعها لأبنتها الملتصقة بطفلي شقيقة زوجها_تعرف بعد رحيل والدنا، أصبحتَ انت الأب والأخ، نتحدث أنا والبنات دوماً عنك، أرجوك لابد أن تشرق من أجلنا. كانت تتحدث بأنكسار واضح، تقدمت بهدوء، حملت الطفلة الشقراء من على الأرض، داعبت الطفلين الآخرين، مشيت صوب الباب الخارجي، صافحتْ وجوهنا أشعة الشمس، استدرت بكامل جسدي، كانت شقيقتي تقبض بأصابعها على حافة الباب، حسمت الأمر، وضعت الطفلة بين ذراعيها، قلت لها :
-سأعود بعد أيام قليلة، هذه المرة أريد سمكاً مقلياً كما في الماضي، من يدري قد أسمع كلمة خالو من شبيهتك في المرة القادمة. مشيت دون أن التفت، لكن تناهى إلى سمعي صوت شقيقتي وهي تقول لطفلتها :
-هيا، قولي خالو، خالووووو!(تمت 😔)
بقلم /رعد الإمارة /العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق