صاحبة الرهان
إستيقظ من نومه الذي لايعرف كم دام
وكأنه كان في سبات دام لمئات السنوات
حزن كثيراً من الصحوه التي تعيده لواقع
كرهه بشدة ؟
حاول من جديد ان يعود لعالم للاوعي
لكنه لم يفلح بذلك . كان جائع جداً ، وعطش لدرجة إنه ظن لن يرويه نهر دجلة بالكامل . كانت حالته الصحية سيئة للغاية
يشعر بالدوار ، قواه خائرة ، وأنفاسه بالكاد يلتقطها من فضاء غرفته المعتمة .
إستجمع قواه ليبدأ من جديد . لابد من إكمال رحلة الحياة ، إستحم بعد أن حلقت لحيته وقصر شاربيه . أكل تفاحة وأعد فنجان قهوة ليغير مزاجه .
جلس على كرسيه الدوار في غرفة المكتب الصغير بمنزله . نظر بحقد لآخر رسالة قرأها من تلك السيدة التي طعنته بقسوة بقلبه لتتكره بعد ذلك مجرد ذكرى إنسان . لم يحرك ساكنا ، وعلى حين غره
جن جنونه ؟
مزق تلك الرسالة وبعثر كل الأوراق ، ثم أجهش بالبكاء بصوت عال . بعد ذلك شعر بالإرتياح ، وكأن كل جبال الأرض كانت تجثم فوق صدره وأزاحها عن كاهله سيل دموعه الجارف . نظر للمرآة وقال؟
لن أتعامل معك ولن أرحمك بعد اليوم ياحواء !
تغير كل شيء بذلك الرجل المحب الودود الحالم المعطاع ؟
ملامح وجهه طريقة كلامه نبرة صوته
بات حاد الطباع . وكأن من رقد مازل راقدا
وخرج من داخله وحش كاسر متعطش للبطش بكل ماحوله وخاصة حواء .
نفر من حوله الجميع ، عشق تلك الحياة المزدوجة التي يعيشها في آن واحد ؟
الحمل والذئب يسكنان جنب لجنب بحيز ضيق إسمه جسد ذلك المخلوق .
كل موظفي الدائرة التي يعمل فيها كانوا يتحدثون عنه لكن بصمت خوفاً من ردة فعله العنيفة . لتنبري للجميع سيدة واثقة الخطوة تمشي ملكاً . قالت لهم ماكل الخوف ياسادة ؟
هو بالنهاية بشر من دم ولحم . خوفكم منه هو من يدفعه للتمادي ؟
سخر الجميع منها ، ومن كلامها الغير مقنع بالنسبة لهم . قال لها احد الموظفين هل لا جربتي حظك معه ياسيدتي ؟
لم تفكر ولم تتردد ، بالعكس كانت واثقة من نفسها كثيراً . هل تراهنني على إني سأكون قريبة جداً منه ؟
نعم .. أراهنك ياعزيزتي
إتفقا على إقامة مئدوبة كبيرة للحضور
وعلى ذلك شهد الجميع .
لايعلم الجميع بأن بداخل ذلك الوحش إنسان رقيق جداً ؟
الناس تحكم على المقابل بالظاهر وليس الباطن .
تلك السيدة كانت ذكية جداً ، قبل ان تحاول الإقتراب منه بدأت بجمع المعلومات عنه من اقرب الناس إليه قبل ان يتغير . لم تكن النتائج مشجعة أبداً
بالفعل هذا الرجل غامض . بعد جهد جهيد تمكنت من الوصول لأقرب شخص من قلبه . بعد ان حدثته عن الموضوع سر الرجل لسماع ذلك لأنه حزين لأجله .
حدثها عنه بالتفصيل الممل . سرت لمعرفتها بأنه يكتب القصة .
من هذه النقطة بدأت حكاية صاحبة الرهان مع الرجل الغامض ؟
كان كل إثنين وخميس يذهب للمركز الثقافي ليحضر الأماسي الأدبية . خططت وبدأت بالتنفيذ مباشرةً . حاصرته من كل الجهات ، وبدأت بتضيق الطوق شيئاً فشيئا . طاردته بنظراتها ، تعمدت الإحتكاك به على الدوام . كانت ذكية لماحة رشيقة أنيقة فائقة الجمال . وعطرها المميز يشم من على بعد أمتار . لم يعد يحسن التهرب منها . بالدائرة وخارجها هي في كل مكان
حتى بعالم اللاوعي كانت هي سيدة الأحلام ؟
بلغ ذروة الغضب ، تشنج وبدأت حمم بركانه بالغليان ... هنا كانت صاحبة الرهان هي المبادرة لتخمد ناره المستعرة باسمينة ناصعة البياض ، وإبتسامة لم يرى مثلها من قبل فكان ما كان ؟
إستسلم الوحش للياسمينة بكل بساطة وكأنه حمل وديع ؟
جلست قبل ان يأذن لها هي بالفعل سيدة المكان . وبكل أريحية قالت له أرجوك أنا من عشاق كتابة القصة هل لا علمتني كيف أكتبها ؟
لم يتفوه بكلمة واحدة . هو بالفعل مصدوم من شجاعتها وذكائها قبل جمالها
بدأ مباشرةً بتعليمها . لكنها لم تكتفي بهذا القدر من الإقتراب ؟
إقترحت عليه ان يكتبا معاً قصة مشتركة
تحت عنوان ( نحن والقمر ) ؟
كانت هي الاشجع والأكثر مبادرة ؟
كانت تلمح له بالإقتراب العاطفي والجسدي ؟
تمكنت من تحرير كل تلك المشاعر المقيدة بأصفاد الدهر . إلى ان وصلت لتلك النقطة الحميمة التي جمعتهما . هنا سألته سؤال أثناء عملية السرد من يرانا الان ؟
كان مرتبكاً جداً ، تلعثم لسانه وإرتجفت يداه ، وأجابها إجابة غبية جداً لا أحد ؟
لا احد ؟
أجل .. لا احد !
بل شاهد على حبنا القمر !
نظر للسماء بنظرة مختلفة عن قبل وقال القمر .
همست بأذنه بصوت خافت عذب .. أحبك
لم يتمالك نفسه ، أغمض عينيه بقوة ليخفي دموعه الحارة . لكن دمعة مشاغبة فضحة أمره لتسيل على خده .
نظر إليها وقال ؟
أنا لست بوحش ، أنا إنسان . لكن المجتمع هو من يصنع الوحوش . ويصنع الفئران
يحكمون على الأخرين من مظاهرهم
ويتناقلون القيل والقال . ليصدق المقابل كلامهم إما وحش أو فأر يحسق تحت الأقدام .
لايكلفون أنفسهم من محاولة الإقتراب والإحتواء .
هكذا هو الحال من سالف الأزمان !
نحن من يصنع الطغاة ، ليستعبدونا
ثم نناضل من أجل ان ننال حريتنا
نحن بأقداما نسحق الياسمين
أنت من اعاد لي الثقة بنفسي وبالناس
ياسيدتي
إبتسمت .. وقالت له أحبك يإنسان
نهظا معا ممسكان بإيدي بعضهما الأخر وسارا نحو باب النور ، باب الحياة
ويذكر بأن وليمة كبيرة جداً أعدت لصاحبة الرهان وللوحش الإنسان .
تمت
الكاتب
جاسم الشهواني
العراق