(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم :تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الرابع
-------------------------------------------------------
-٣٩-
تصفية الشياطين
يذهب يحيى في زيارته الأولى إلى عائلة الحجارين منذ تسلمه منصبه،وللصدفة يكون جميع الإخوة مجتمعين للتشاور في أمر ما ،يتركهم يحيى ويسير متجولا في جميع مرافق مصنعهم ..أما عليان فبنظرة ذات مغزى إلى إخوته يطلب منهم أن يتركوه مع يحيى وحدهما. كونه هو أكبرهم وهو الوحيد الذي يجيد التحدث والمفاوضة.
يرافق يحيى عليان إلى الصالة ويجلس أمامه وهو متيقن بأن يحيى لن يغفر له وأخوته أبدا أفعالهم الماضية.
ويبدأ بالتودد إليه بذكر كلمة "عمي" في كل مرة.يقول عليان:
-ترى غداك عندي اليوم عمي يحيى؟
يرد يحيى بشموخ وحزم وهو سعيد بأنقلاب موازين القوة بينهم لصالحه:
-لا أنا مش جاي أتغدا ..أنا جاي بشغل؟
-بشغل...خ..خلينا نكسبك عمي على الغدا ..ترى الغدا صاير ؟
-كلوه إنتو..بتعرف إنا إحنا مش متعودين على الزفر والأكل الدسم بعدين ليش ماكسبتني زمان أيام الجوع والفقر ..و..أيام جرار الذهب تبعتي إلي رفعنكو إنتي وخوانك فوق على حسابنا ياعليان؟
-عيب تحكي معي هيك عمي أنا جوز أختك وفي مقام عمك ..وأنا لمربيكو؟
-بتقلي عيب ..هو إنتو بتعرفو العيب أصلا ؟
ثم تابع يحيى بجدية وحزم أكثر وهو ينهض عائدا إلى إخوة عليان بينما عليان يمشي خلفه:
-إنتو قديش إلكو متخلفين عن دفع الضرايب ؟
تتغير تعبيرات وجوههم جميعا ،فيرد عليان :
-ليش هيك عمي...
فيقاطعه سويلم المسيطر دائما على إخوته بما فيهم عليان كونه هو معلم المصنع برفع يده طالبا منه الصمت وعدم التوسل .
فضحك يحيى ساخرا وقال بحزم :
-طيب ..اليوم قبل بكره بتراجعوا دائرة ضريبة الدخل بالمدينه..مفهوم ؟
* * * * * * * * *
تختار أخوات تمارة زوج المستقبل لأختهن الصغرى حلا..والذي وقع إختيارهن عليه هو "حاتم" الشاب المدلل والذي لايجرؤ على التحدث مع امرأة غير أمه بسبب خجله الشديد من الجنس الآخر ؛وهكذا يكون "عز الطلب ".
وبالفعل بعد زواجه منها يمنعه خجله الشديد حتى من الدخول بها منذ عدة أشهر .أما هي فلم تقدم له أي حافز للتشجيع بل إستجابت لنظرات رجل من المحافظة يمر بعربته مرتديا بزته العسكرية التي اعادتها إلى حلمها القديم وهو الزواج من ضابط شرطة.
فأصبح ينتظرها بعربته خلف التلال ليصطحبها معه إلى منزله الكائن في وسط مزرعته الواسعة في طرف القرية .لتغيب معه حتى المساء ومن ثم يعيدها إلى نفس المكان الذي أخذها منه ، ليتولى بدوره مهمة إنجاب إطفال حاتم.
* * * * * * * * *
بينما كان يحيى بمبنى المحافظة جالسا خلف مكتبه منهمكا في عمله يمر به رجل متأنق فتبدو على وجهه الوقاحة والفجور وكان محاول إخفاء تعاليه على ابن القرية:
-تشرفت بمعرفتك سيدي ..أول ماعرفت إنو أصلك من المحافظه أجيت والله أباركلك قبل ماأقدم معاملتي إلك عشان إحنا قرايب ؟
-قرايب ..!! أهلين بيك ..خليني بالأول أوضحلك إشي مهم ..أنا عمري ماكنت من المحافظه..أنا ابن قرية أم الملح ومابشرفني إني أكون إلا منها ؟
-ههههههه طيب ماهي سيدي تابعه للمحافظه يعني إنتي منا ..من المحافظه هههههههه حتى شكلك مو مثل شكل أهل القريه؟
-لا..أنا من القريه ..بعدين إنتو من إيمتا معترفين بأهل القرى ومعتبرينهم منكو ..أنا حتى لو صرت محافظ بظلني ابن القريه..وبعدين هاظا الكرسي إلي أنا قاعد عليه هو كرسي شغل ..شغل وبس ..مش للنفاق والمجاملات..ومثل ماراح من غيري وصار إلي بكره بروح مني كمان وبروح لغيري ..عشان هيك وفر مجاملاتك وجيبلي من الآخر..وأنا بخدمة الجميع؟
ثم مد الرجل إليه بالملف كي يوقعه له، ..تناول يحيى الملف منه وفتحه ليرى فيه ورقة من فئة العشرة دنانير في صفحته الأولى ،فوقف يحيى ثائرا والشرر يتطاير من عينيه وقال له صارخا:
-شو هاظا؟
-إنتي سيدي بتظلك بلدياتنا حتى لو كنت من قرية أم الملح هههههه وحتى لو إنك رافضنا ..هاظا إشي قليل من واجبك ..وإن شاء الله مابنقصر معاك؟
ثم يبرم يحيى الملف ليصبح مستديرا كالماصورة ويضربه به على وجهه وقال له وهو لايزال ثائرا:
-بتقدم إلي رشوة ياخنزير ؟
-عفوا سيدي ..أنا عارف إنو المبلغ قليل ومش من مقامك بس....؟
-طيب أنا بورجيك ياحيوان ؟
ثم يستدير من وراء مكتبه ويلكمه لكمة يطرحه بها أرضا وينهال عليه بالصفع والركل وهو يقول :
-أنا بدي أورجيك مين هو ابن قرية أم الملح ياواطي؟
وبعد أن اغمي عليه من شدة الضرب يأمر بأخذه إلى السجن.
* * * * * * * * *
لم يتوقف يحيى عن زيارة أحبته في الجبل فقد كان يذهب إليهما كلما سنحت له الفرصة فيستقبلونه بفرح وسرور كما وأنه قد غاب عنهم الدهر بأكمله.
كذلك يذهب برحلاته المستمرة إلى إخوته عمير وعثمان وبلال في قراهم ليشرف على بعض الأعمال داعما لهم .
أما عائلة الحجارين فبعد أن ذهبت نصف أملاكهم إلى الضرائب كانوا مضطرين إلى بيع بعض أراضيهم التي إستولوا عليها بأثمان بخسة من الفلاحين المحتاجين .
تدب بينهم النزاعات ويفضون الشراكة بينهم ويتفرقون ،وكانت الأقدار أيضا لهما بالمرصاد داعمة ليحيى هذه المرة فيمر سيل القرية السنوي الغاضب كالموت جارفا مصنعهم وبيوتهم ومتلفا ماتبقى من أراضيهم وزرعهم ولم يبقي على شيء أبدا .
فيموت عليان إثر نوبة قلبية ويتبعه سالم.. أما حسن أصغرهم فتحطم الحجارة المنهارة جمجمته.
فيصاب سويلم بمرض نادر يتسبب في بتر أطرافه قبل موته بأشهر.
ويصاب حسان بالجنون ويلقب من قبل أهل القرية ب"المجنون أبو طويله" لأنه كان اطول إخوته.
تصاب سارة أخت يحيى بمرض القلب أيضا ..فتذرف الدموع بسبب ماآلت إليه حالتها وهي في عريشتها البسيطة المتواضعة متهمة يحيى بأنه هو غراب البين الذي كان وراء تلك الحوادث..بل وناسبة إليه السيل السنوي أيضا .
* * * * * * * * *
عندما علم يحيى أن زكي وزمرته قد إستولوا على مسجد الشيخ عبد الكريم يرفض دخوله والصلاة فيه بالرغم من محاولات زكي التظاهر أمام الناس بالتقرب إليه.
فتكون عبادة يحيى في منزله أو خلف التلال وفي المغر وبعدها يطلق العنان لنايه الحزين. ذلك الناي الذي يدل دائما على مكان وجوده.
لكن حدث ماأجبر زكي على الذهاب إلى يحيى في منزله وهو بعد القبض عليه متلبسا من قبل تمارة وإخوتها وهو يتحرش باحدى بنات نسيباته الصغيرات فيقومون بتعزيره بل وضربه .
فينقل شادي ذلك الحدث إلى يحيى فيغضب يحيى ويقول بعد أن يكون قد علم بجميع أفعال زكي القذرة :
-إنتو زهقتوني أخوك ..أخوك..هاظا مو أخوي..ومابشرفني إنو يكون أخوي؟
فيرد شادي بخبث :
-لامش يحيى إلي بحكي هاظا الحكي ..هسى إنتي كبير القريه ولازم إتشوف لأخوك حل وإتعالجه إذا كان بدو علاج؟
يرد يحيى ساخرا:
-بس أنا بعرف إني أنا المجنون ..مش كلكو شهتو ضدي وحطيتوني بمستشفى للمجانين؟
-بتقول أنا شهدت ضدك كمان ..الله يسامحك يايحيى.
يذهب شادي ناقلا لزكي مادار بينهما لكن بعد التحريف والاضافات.
فيتوجه زكي إلى يحيى ذليلا وهو يشعر بالاعياء الشديد ..فيشعر يحيى بالحزن عليه بسبب ضعفه وذله بعد أن كان ينوي ضربه.وهذا هو يحيى ..الإنسان النقي ..فتكلم زكي بصعوبة لدرجة أن يحيى خشي أن يموت عنده قبل أن يكمل حديثه:
-بدي أحكي معك من البدايه؟
فقرر يحيى أن يستمع فقط. فقال :
-إحكي هيني بسمعك؟
-رسولنا الكريم ..أمرنا إنا نفرق بين أولادنا بالمضاجع لما يبلغوا عشر سنوات ..لكن أهلنا ما عملو هيك ..وكنا نشوف أشياء مابصير إنا نشوفها من أفعال..وهاظا غير أفعال النسوان والقرايب في دارنا...؟
-فهمت عليك.
-وصرت أعاني من عقده من وأنا زغير وإستمريت على هاذي الأفعال؟
-بس كلنا كنا نشوف نفس الأفعال إلي بتشوفها لكن كبرنا وعقلنا ..الإنسان فيه إله مخ بميزه عن الحيوان وبخليه يميز الغلط من الصح؟
فرد زكي بانفعال :
-كل واحد عنده ظروفه الخاصة؟
-ماشي كمل كلامك؟
ثم قال مستحضرا قذارته التي لايستغني عنها أبدا ومحاولا أن يمسك حجة على يحيى أو أن ينزله إلى مستوى أخلاقه المتردية..وكما وأنه يريد أن يقول له جميعنا نفعل نفس الأفعال:
-بقولو إنو إنتي بتعرف وحده غنيه بالمدينه وبتروح إتنام معاها هناك ؟
-همو بقولو..طيب وإنتي شو رأيك؟
-أنا هيك بسمع.
-مش مهم كمل ؟
-أنا من وأنا زغير وأنا منبوذ لأني أسمر ومش حلو مثلكو.. والبنات مابحبني وببعدن عني ..و..
ثم سعل كثيرا وكاد أن يسقط على الأرض وتابع:
-وعشان هيك حقدت عليك ؟
-وعشان هيك هرست أصابعي بجريك لما وقعتوني بالبير بدال ماتساعدني..وبعدين ضربتني بقنوه على راسي وأنا بتهاوش مع الشرطه مع إنك مش مجبور تعمل هيك؟
-بصراحه ماكنت بدي أياك إتموت ؟
-عن جد بتحكي؟
-أيوه ..أنا بس كنت بستمتع لما أشوفك ذليل ومبهدل ؟
-فعلا أذيتني كثير يازكي..والله أذيتني كثير في الوقت إلي كنت أتمنى إنه إيكون إلي أخ ..أستند عليه ؟
-ليش..ليش مانبدى صفحه جديده ياخوي يايحيى؟
-شو إلي بدك إياه مني أنا مستعد ؟
-قدر ظروفي وأفعالي.
-بس ظروفك إنتي إلي فرظتها على حالك وصرت أسيرها ..وأفعالك مخزيه وأنا بدي أصلح مش أخرب ؟
وبعد أن يقص زكي عليه قصة أسرتهم بأكملها منذ البداية بحكم أنه يكبره عمرا ..وهنا يعلم يحيى بعلاقات أخرى أقامتها أمه فريال مع أقارب آخرين لم يكن يحيى يعلم بها، ياترى ما الشيء الذي يجعله يفضي بها الآن ،تدمع عينا يحيى من شدة الخيبة والقهر وهو يسمع ذلك ،ويقول زكي أخيرا:
- أنا..يا يحيى بحلفك برحمة أمنا إنك...
فيرد يحيى مقاطعا بتوتر وقهر :
-أمنا..أمنا ..أمنا ماكانت مريم العذراء ولا إنتي عيسى..العيله كانت عيلة فسق وفجور حسبي الله ونعم الوكيل فيكم ..حسبي الله ونعم الوكيل فيكم ؟
يصل محمد وزوجته ومعهم شادي ويكون زكي قد شعر بالاعياء الشديد..فيأخذونه معهم إلى منزله.
يقف يحيى في باحة منزله فتخنقه
عبراته وتنهمر دموعه بغزارة ..دموع القهر والخيبة ويردد:
-والله إني كرهتكو..كرهتكو كلكو وأنا إلي طول عمري ماكرهت حدى ..يا لطيف قديش عاطلين..يالطيف قديش صعبين .. ياشياطين ..ياملاعين ..آآآآخخخخ؟
يصل محمد وزوجته وشادي ومعهم زكي إلى منزل نسيبه عيسى كي يبحث له عن أي عربة تنقله إلى مركز طوارىء القرية وكان زكي لايزال يشعر بالضيق والاختناق فيطلب منهم أن يجلسونه فوق سطح المنزل حالما يجدون له عربة ..يصعدون به إلى السطح..يجلسونه على مقعد من الطوب..وعندما تنشغل أنظارهم عنه ينهض فجأة فيختل توازنه ويسقط من فوق السطح ليتلقاه قضيب حديدي من الأساسات المعدة للبناء فيخترق شرجه وينفذ إلى امعائه ليموت على الفور.
* * * * * * * * *
تقام لزكي جنازة مهيبة يسير فيها جميع أهل قريته ،فيتزاحمون على من الذي سيشارك في حمل نعشه كي يتمسح به للتبارك به. ويطلق عليه لقب " زكي شهيد القرية".
في اليوم التالي يكون عيسى بمنزل إحدى الفاسدات يشاركها الفراش في غياب إخوتها.لكن تحدث الصدفة التي كانت بالنسبة له أسوء من أي ميعاد ،يعود إخوتها لأمر هام ليقبضون عليهما متلبسان فيقتلون أختهم ومن ثم يقومون بتعذيب عيسى بالنار وفقىء عينيه بعد ذلك يقطعون رأسه .
ومن ثم يرمون رأسه فى باحة منزله، بعد أيام يكون أحد القتلة مخمورا ويعترف بتفاصيل الجريمة كاملة في مركز الشرطة.
وهكذا يسدل الستار على مسرح جريمة مقتل عيسى .
يظن أهل القرية بأن قدوم يحيى شؤوم عليهم ،ضياع ثروة عائلة الحجارين وكذلك فقدانهم لهيبتهم في القرية وعيش أولادهم في فقر بعد غناهم.. ومداهمة السيل للقرية وهدمه لبيوت الكثيرين وإتلاف حقولهم .. وموت الشيخ الجليل زكي ..وأخيرا مقتل عيسى الكحته .فيستمر مسلسل المصائب والويلات والكوارث التي تصيب القرية.
فيقول مختار القرية في جلسته السرية مع العضوات :
-هاظا إلي وعدكو بيه يحيى ابن فريال ياأهل القريه ..هاظا هو الخير إلي وعدكو بيه ..هو بجي خير من ورا ابن حرام يجماعة الخير.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
٢٠-٧-٢٠٢٤
