أبو العلاء المعري
هو أولٌ والمعجزات ثواني
قمرٌ يضيء معرة النعمانِ
بعثت به نحو المدائن كوكباً
فامتدّ يغمر سائر البلدانِ
أعمى تسلح بالنبوغ وجاءنا
فاحتل كل جوانب الميدانِ
هذا الذي جعل الصحاري جنة
بالشعر تشبه جنة الرضوانِ
جعل الكواكب كالغصون قريبة
والنيرات من التراب دواني
وهو الذي جعل البيان بسحره
كالشمس يسموفوق كل بيانِ
جعل الخوارق في العقول حقيقة
والمستحيل بقبضة الإمكانِ
نشر الجواهر عند سقطة زنده
والدر بين رسالة الغفرانِ
دان الجناة الأبرياء بعرفنا
واختار دون معيشة الرهبانِ
لم يجن مثل الآخرين جناية
فيـذوق بعض ضيافة السجانِ
يرميك قوم بالجحود لأنهم
زرعوا النباهة في ربا الحرمانِ
لم يعرفوا قدر الضياء فحاولوا
وضع الضياء بكفة الميزانِ
كل الضمائر والعقول دخلتها
وجلست منها في أعزّ مكانِ
واتيت تدهش بالعجائب عصرنا
وتنير وجه تراثنا الإنساني
تتقاسم الأوطان مجدك انه
مجد يزيّن هامة الأوطانِ
والشعب أنت إذا حللت بقفرة
أخذتْ تضجٌ بكثرة السكانِ
وتركت خلفك أي نهرٍ هادر
للفكر لكن دائم الجريانِ
نسبوا لفكرك ظالمين بأنه
قد مال نحو عقيدة الأزمانِ
من أين للعقل الكفيف بأن يرى
جبلا كمثلك ثابت الأركانِ
ما كان فكر ثاقب متنور
يختار غير عبادة الرحمنِ
يتزاحم النسيان عند رؤوسنا
لكنّ اسمك خارج النسيانِ
يا سيد الشعر الملون بالأسى
أبصرتَ وحدك روعة الألوانِ
إن جف شريان الثقافة مرّة
فالشعر عندك نهلة الظمآنِ
بقصائد كالمحصنات تركتها
مشغولة من عسجد وجمانِ
بقيت على مرّ الزمان يتيمة
فمثيلها ما مرّ بالأذهانِ
قم يارهين المحبسين فإننا
نبكي ويبكي مجدك الحبسانِ
هل قد أصابك من زمانك حاسدٌ
فسلكت دربَ مخيم الأشجانِ
أم أن دهرك بالمصائب مترع
لم تتّسع لجموحه العينانِ
فأتاك من كل الجوانب سيلهُ
فغدوت مثل بحيرة الأحزانِ
يا منصف العقل الكريم تركته
للمرء خير طريقة وضمانِ
مافرّق الإنسان إلا عقله
متنزهاعن خلقةِ الحيوانِ
والعقل إن يرضَ بعيشة مقعد
كالسيف إذ يرضى بكفّ جبانِ
هو منحة الديّان جلَّ جلاله
فحفظتَ أنت عطيّة الديانِ
ذكراك تصنع في فؤادي مثلما
صنع الربيع بداخل البستانِ
ترنو العصورُ إلى زمانك حسدا
حسد التي عانت من الحرمانِ
يكفيك عذرا للمعرة أنها
عبر المدى ألا تجود بثاني
بقلمي
