" أم اليتيمة "
هذي حكاية بعض الخلق أرويها
وليس يخفى عن الأخيار ماضيها
أولى الأنام وأم اليتم أرملة
وأعطف الناس من في البذل يحميها
لو كان في الناس إنصافٌ ومرحمةٌ
لم تشتكِ أَمَةٌ ضنكاً يدانيها
قد غيَّب الموت من كان العضيد لها
وجاءها الهم والإملاق يشقيها
بكت من العوز فاحمرَّت مدامعها
وتذرف الدمعَ ما جفَّت مجاريها
الموتُ أفجعها والسقمُ أوجعها
والهمُّ أنحلها والغمُّ يضنيها
وترتدي الرث والأقدامُ حافيةٌ
وانشقَّ في الثوب أدناها وعاليها
ومنظر البؤس مشهود بهيئتها
والعوز قد عكست مرآتهُ فيها
قد مزَّق الفقر ويح الفقر معطفها
حتَّى بدت من شقوق الثوب جنبيها
والجسم كالغصن في ريحٍ يأرجها
واصطكَّها البرد في الأوصال يعييها
والوجه أصفر من ورْسٍ يلوِّنها
وناتئ العظم قد برزت بخديها
تمشي وتبكي وقد حملت يتيمتها
حملاً مع الهم أضناها ويحنيها
قد ألحفتها بأهدامٍ مهلهلة
هذي اليتيمة من يحنن ويكسيها
تقول يا رب لا تحرم لها لبنً
قد مسَّها الضر ولم تقرب لنهديها
تمضي الليالي ولم يغمض لها جفن
والعين ساهرةٌ تبكي وتبكيها
ياربّ ما حيلتي فيها وقد ذبلت
كشتلةِ الورد جَفُّ المزن يظميها
تكاد تفطر قلبي حين أنظرها
تبكي وتفتح فاه الجوع يعويها
تشكو وتصرخ من داءٍ ألمَّ بها
ولستُ أعلم أيَّ السقم يؤذيها
ترقُّ عيني بسيلٍ حين أسمعها
والدمع قد أوسع الخدَّين يرويها
فاضت بشكوى قد سمعتُ لها
لتأثّر النفسَ والآلام تشجيها
فقلتُ يا أُخت مهلًا إن سمحتِ لي
أشارك الهم بما أفضتْ مآسِّيها
سمعتُ يا أمَّ أنَّاتٍ همستِ بها
أوجعتِ قلبي لما جاءت معانيها
فأرسلت نظرةً كادت لتقتلني
واهتزت الروح وقد شفقت لراميها
هل تسمح الأم من مال أشاطرها
أسترضي الله من فضل فأعطيها
ثمَّ اجتذبتُ لها من جيبِ مسترتي
ما قدر الله من عطيا لتكفيها
فأخرجَت زفَراتٍ من جوانحها
كالنار تصعد مع أنفاس راعيها
وأجهشت ثمَّ قالت وهي باكية
واهٍ لرقة كم تسمو أساميها
لو عَمَّ في الناس من ودٍّ ومرحمةٍ
ما كان للفقر ويلاتٍ ليرويها
قد أفلح الدهر في إلامِ أرملةٍ
هبُّوا إليها فقد كلَّت مساعيها
فالدِينُ حبٌّ وإن خلف العقيد بها
كَمُّ اليتامى حريٌ منكَ تسقيها
يا معتلينَ عروش المال في بطرِ
إن قلَّ جزءٌ فلن تفقر فأعطيها
فالله أنزلَ في كُتُبٍ لتقرأها
مالُ اليتيمِ كفرضِ العين أدِّيها
ما بالُ نفسي تجوشُ اليوم في وطرٍ
حتَّى ظننتُ نزوع الروح تأتيها
يا ربّ عفوكَ من بخلٍ يساكننا
قد كفَّتِ البيض عن جُودٍ يواسيها
حررت بقلم المستشار الثقافي
السفير .د. مروان كوجر
