تَهويماتٌ في الساعةِ الهامدةِ من الليلِ
** رُضوضُ الحَنِيِّنِ ..
تقولُ إحدى رقصاتِ الفلامِنكو الإِسبانية :
أمرُ بِاسمكِ إذ أخلو إلى نفسي
كما يمرُ دِمشقيٌ بِأندلُسِ...
عبثاً ..أحاولُ أن أنامَ ، يَبتسمُ النومَ لي إبتسامةٌ ماكِرةٌ ، مِثلَ نَسيمٌ عابرٌ ، وَيهربُ من عيني ... وتَحضرينَ أنتِ مِثلَ بُرعم وردةٍ جوريةٍ تَتَفتحُ لاستقبالَ حباتِ المطرِ ...
أنهضُ من سريري ، أغلي فنجانَ قهوةٍ ، علهُ يَمنحُني إحساساً أفضلَ بالأشياءِ ، أقتربُ من النافذةِ أرقبُ طُلوعَ الفجر ...
تطُلينَ من نافذتكِ المُشرعةُ على العلاءِ ، تَرميني بابتسامةٍ جذلى وتحيةٍ عابقةٍ... تُمسدينَ بِراحتيكِ الحَنونتينِ على شعريِ وَكتفي ووجهي .
سحابةُ خَدرٍ تَلُفّني فأتخلصُ من تَجاعيدِالروحِ ...
-بالله عليكِ قولي لي :
كيفَ تَسللتي خِلسةً إلى قلبيِ وَروحي ؟
كيفَ مَالَ القلبُ إليكِ وأنا المَهووسُ بالإتِزان ؟
مَن يُعيدُني عشرونَ سنةٍ إلى الوراءِ ويأخذَ نِصفَ عُمري ...؟
شهرُ أيلولَ ، يعودُ بأمطارهِ ، يُحركَ كلَّ مَكامني ، وكلماتكِ التي أعادتْ تَشكيلي تَمنحُني فُرصةً لا تُعوضُ للحُلمِ ..
أحلمُ بكِ ، وَأغفو دَاخِلَ حُلمي ... لكِ نَبضُ الروحِ وَفرحُ الحَياة ...
يَطيبُ لي أحياناً ، أن أسقطَ بالتهويماتِ وَحبُّ الرَكضِ وراءَ غَيمةٍ هاربةٍ ...
-أتَعرفِين ؟
الوقتُ صيفٌ ، والغيومُ تُغلفُ النجومَ والقمرَ ودربَ التبَّانةَ بلفائفَ وَطَيات ....
قلتُ وأنا أحاولُ أن أستعيدَ مِهنتي القديمة في التعليم ِ :
أنا هُنا عِندَ خَط العرضِ خَمسَ وَستون درجةً شمالاً ، في هذهِ البلادِ نَرى الفصولَ الأربعة في يومٍ واحدٍ ، أمطرتْ البارحةَ بغزارةٍ ...
كانَ مطرُ الغربةَ كافياً لإِيقاظِ أَعماقي الدفينةَ ، غَمرَني الحَنينُ ، وَتبللت عِظامي بِالمطرِ....
كانَ صَوتُكِ يَختلطُ بِزخاتِ المطرِ التي كانتْ تَنقرُ شُباك نافِذتي الخَشَبية ...
تَنتصبينَ فَجأةً - تُومِضُ فِكرةٌ - -أتسمعُ صوتَ المَطرِ ؟
- نَعم أسمعهُ ..
- إذن لِنخرُجَ .....
كانت المدينةُ شهيةً وهيَ تَغتسلُ بماءِ المطرِ ...نَمشي ، تتشبثُ يُسراكِ بيَميني ، تَنامُ يَدكِ الباردةُ في عمقِ يَدي عَصفوراً حَزيناً يَبحثُ عن لحظةِ دفء ...
وأنتِ تَسكُنينَ في العُمقِ اللامَرئيَّ للقلبِ المُتعبِ ...
وَتسألينَ بِعينين مُشرقتينِ بالفرحِ والمَحبةِ :
-أمَا زِلتَ تَكتبُ عن الحنينِ والحُبِّ في ظلِ وطنٍ يَشبهُ الضَبابَ والأدخنةَ الداكنةَ...؟
-أكتبُ لأنَّ الحُبَّ فيهِ خَلاصَنا مِما نُعاني ،فالسَوادُ يَحتلُّ القِسمَ المُضيءَ مِن أرواحِنا ....
نَحتاجُ نهرُ ضياءٍ ليَغسِلها ويُعطِيها النقاء ...
أكتُبُ في وطنٍ يَسبُقنا مَاضِينا ، وَفكرٌ مَهزومٌ يَعيشُ مَرحلةٌ تَغريبيةٌ بعيدةٌ عن الواقعِ ...
أكتبُ في وطنٍ أصبحَ -للكثيرين- حمولةٌ زائدةً ..
أكتبُ في زمنِ وطنٌ مَفتوحٌ للريحِ ، والاستبدادُ يَنهشهُ ...مُتعبٌ أنا ! !
أكتبُ إليكِ ، لأَنني أُريدُ من الجرحِ أن يَظل حياً ، فالكائِنُ الذي نُحبُّ تَركَ العتبةَ وَخَرجَ ....
ونحنُ لم نَقلْ لهُ بَعدُ ما كُنَّا نَشْتهي قَولهُ ..!
-وَتبتَسمِين بِحُزنٍ ...
-في ذَلِك المساء بَنيتُ لكِ عُشّاً دَاخِلَ صَدري ...
وفي الصباحِ سَكَنتي شَرَيانيَّ الأَبهَر.....
أجمعُ أورَاقي ...أعاودُ المَسير على الطريقِ وَحيداً ، يَقودَني الشَّوقُ إليكِ ...وَلساني حَالي يَقولُ :
منْ يُهدِيهِ شَوقهُ لن يَظلَ الطريقَ ...
محبتي
(القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية)..